عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاية وطن

 

 

سافر شاب لخطبة فتاة من بلد يفصله نهر عن بلده، وظل الشاب طول المسافة يفكر فى المهر الذى سيطلبه والد الفتاة والشبكة ومؤخر الصداق، وكان يسأل نفسه كيف يرد على والد الفتاة التى اختارها لتكون شريكة حياته، وهو من أسرة فقيرة، ويعمل فى وظيفة لا يستطيع من خلال ما يتقاضاه آخر الشهر توفير مبلغ يستطيع أن يقدمه لوالد الفتاة مقابل ما يستحق لها طبقاً للشرع والقواعد العامة والعادات والتقاليد السائدة فى بلد الفتاة. ولم يصل الشاب إلى طريقة يقدم بها نفسه وإمكاناته لوالد الفتاة، وترك الأمر لصاحب الأمر، واستقبله والد الفتاة، استقبالاً حسناً يليق بالضيف والمضيف، وتقدم الشباب لطلب يد الفتاة، وسأل والدها السؤال العادى: طلباتك يا حاج!

فهم والد الفتاة أنه يقصد الشبكة والقائمة والمؤخر، وبسرعة أجابه بأنه لا يطلب شيئاً من المال، وأن مهر ابنته جوال بصل ولن يقبل غيره. وأمام إصرار والد الفتاة، سافر الشاب إلى بلده، وعاد بجوال البصل وقدمه مهراً للعروس، واصطحبها إلى بلده مستخدماً النهر فى العبور إلى الشاطئ الآخر، وبعد إنجاب أول طفل، طلبت الزوجة زيارة والدها، وأثناء عبور النهر اشتدت الرياح وهاجت الأمواج، وخاف الزوج على ابنه الصغير فحمله على كتفيه وعبر به النهر، وترك زوجته تصارع الموت، وقام بعض الصيادين بإنقاذها، وكان زوجها فى انتظارها على الشاطئ الآخر، وعندما عاتبته على عدم مساعدتها فى عبور النهر، وأنها كانت على وشك الغرق لولا أن الصيادين عثروا عليها وقاموا بإنقاذها، ففوجئت بالزوج يخبرها بأنه فضل إنقاذ طفله، وأن كل الذى دفعه فيها من مهر هو جوال بصل لا يساوى شيئاً!!

وفى منزل والدها لاحظ الأب حزنها على عدم تقدير زوجها  لها وتنكره لإكرام والدها له، فلم يغالِ فى المهر أو مؤخر الصداق، واعتقد أنه اشترى راجل يحافظ على ابنته، وقصت الابنة ما حدث مع زوجها للأب، فغضب غضباً شديداً، وبعد انتهاء الزيارة، رفض عودة ابنته مع زوجها، وقال لزوجها لقد أحسنا ضيافتك، والآن خذ ابنك معك، ولا تعُد إلا بعد إحضار جوال من الذهب  وتقدمه مهراً لها حتى تعرف قيمة ابنتى التى ائتمنتك عليها، وقدرتك وضعك المادى ولم أطلب مهراً ولا مؤخراً ولا شبكة. وفهم الزوج قصد والد زوجته، وفهم غلطته، وعاد إلى بلده، وظل عدة أعوام يجمع فى الذهب وعندما اكتمل الجوال حمله، وعاد إلى بلد زوجته وقدمه لوالدها، وطالبه بالصفح، وأذن الأب لابنته بالعودة مع زوجها، وأثناء عبورهما النهر فى طريقه إلى بلده، اشتدت الريح وعلت الأمواج، وأمسك الزوج بيد زوجته، وحملها فوق كتفيه وعبر بها النهر فى سلام، وعندما سألته زوجته عن سبب تغيير معاملته إياها، وخوفه عليها من الغرق أجابها قائلاً: أنا دفعت فيكى جوال ذهب، فأصبحت قيمتك غالية عندى!

يقال إن هذا المثل القديم وراء خوف الأسر على بناتهن الذى دفعهم إلى المغالاة فى المهور، وتستيف القائمة التى يوقع عليها الزوج من الإبرة حتى الصاروخ، وطلب مؤخر صداق يقسم الوسط، بخلاف تجهيز الشقة مما كان سبباً فى العنوسة للطرفين من الشباب والفتيات، بخلاف ارتفاع نسب الطلاق التى تقع لعدم التكافؤ أو لأسباب تافهة مثل خناقة على حبل غسيل أو طبق بلاستيك عند الأسر الطيبة مثل حالة صاحبنا بتاع جوال البصل، أما بنات الطبقة العالية فخلافاتهن دلع ماسخ.

حالياً حبال المودة والرحمة أصبحت ممدودة أكثر بعد أن ذاق هذا الجيل مرارة الانفصال والمغالاة فى المهور التى وصلت إلى ملايين الجنيهات فى بعض الأحيان، وتكلفة الجهاز التى تساوى الكثير، فرأينا الأب الذى يرفض المؤخر والقائمة، والأب الذى اشترى جاموسة هدية لابنته تدر لبناً وتعينهما على متطلبات الحياة.

هناك رأى آخر هو أن تكون المطالب «بين البينين» لا مغالاة شديدة تؤدى إلى تعجيز العريس، ولا تفريط فى حق الابنة حتى لا تواجه مشكلة جوال البصل. فلا نغالى فى المهر حتى لا نكون سبباً فى تفشى ظاهرة العنوسة.

ولا تجعل الأسر الزواج تجارة وبيعاً وشراء حتى لا تدخل العكننة من الباب فيهرب الفرح من الشباك.

من حق العروس شبكة ومهر ومؤخر صداق ولكن دون مغالاة، ومن واجب العريس أن يلتزم بتعهداته وأن يكون الهدف ليس مادياً، مع التركيز على نشر السلوكيات السليمة والقيم المجتمعية، والأخلاقية الأصيلة، فالأسرة المثالية تبنى على الاعتدال والرفق والتيسير فى أمور الزواج وتقوم على نهج المودة والرحمة فى التعايش.

التيسير فى الزواج لا يعنى ضياع حقوق المرأة، وإنما يقوم على التراضى بين الطرفين، وحفظ حقوق كل الأطراف والمغالاة التى تصل إلى حد التعجيز خطر يضاعف المشاكل الاجتماعية ولا يبنى بيوتاً جديدة.