عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ضوء فى آخر النفق

 

 

ــ لـ«أمل دنقل» قصيدة من العيار الثقيل، عنوانها: «البكاء بين يدى زرقاء اليمامة». قرأتها لأول مرة فى منتصف الثمانينيات. لم أكن وقتها أعرف المقصود بزرقاء اليمامة (امرأة نجدية زرقاء العينين يقال إنها كانت تُبصر الشَعَرةَ البيضاء» فى اللبن وترى الشخص من على مبعدة يوم وليلة.. كانت نبوءاتها مضرب الأمثال).

تعلقت بالشعر وبنبوءات الشعراء.. وكم منهم من تنبأ بهزيمتنا المرة فى ٦٧ وغيرها. أفسحت بالأمس بعض الوقت لشاعر عله يستشرف المستقبل أمامى، خاصة انه يجمع بين الشعر وبين التدريس. تحدث بمرارة عن غياب الاستثمار فى البشر. كشف لى عما يجرى فى المدارس الخاصة.. وكيف أن المدرسين فى هذه المدارس يكتبون عقودهم على ورق استقالاتهم، أى أنهم فى الوقت الذى يتعاقدون فيه للعمل يكتبون أيضا استقالاتهم للمدرسة، وبالطبع هى تخلو من أى حقوق أو مزايا! يعطونهم أجورا زهيدة تتراوح بين خمسمائة وألف جنيه، مقابل ٢٧حصة.. بينما نظراؤهم فى مدارس الوزارة يتقاضون ثلاثة اضعافهم (وهو أيضا ليس كافيًا) فى مقابل حصص أقل بالطبع.

الوزارة تراقب هذه المدارس الخاصة، ويفتش عليها موجهون ويملكون محاسبة مدرسيها على أخطائهم، فبمجرد الإشارة فى تقريرهم إلى خطأ واحدٍ، يعاقبون بالخصم الفادح من المرتب! لذلك يتوسل المدرس إلى المفتش بحيث لا يكتب ملاحظاته فى تقريره وإنما يبلغه بها شفاهة. لم اكن قد راقبت عن قرب هذه المدارس، لكننى فعلت عندما ذهبت لأرى ما يتحصل عليه الاولاد من تعليم وتربية. كانت لحظة فارقة فى حياتى. ساعتها أدركت أن الأولاد لا يتعلمون شيئا ذا بال. فكيف لمدرس يحصل على هذه المبالغ الزهيدة أن يتمكن من تعليم او تربية؟ المدرسة لا تقدره ولاتطمئنه على مستقبله، وكل خطأ يسجل عليه يقتص من راتبه! كيف يغرس قيمة أو يرسى مبدأ أو يعلم مسألة؟!

لفت انتباهى أحواش المدارس، فإذا هى جبال من تراب ورمال، لا تتيح لهم نظافة ما يرتدون من ملابس وأحذية.. لا مكان لممارسة الرياضة.. ولا اهتمام بحصص النشاط المدرسى.. مقاعد وآرائك حدث عنها ولا حرج. ولا يمكن والحال كذلك أن تتوقع نظافة او عناية بمرافق المدرسة، من دورات المياه إلى إزالة الأتربة والغبار عن الفصول.. وفى مقابل ذلك فإن المدارس تتقاضى رسوما دراسية باهظة! فى مرحلة كورونا الأولى كانت المدارس قد حصلت على مصروفات الترم الدراسى الثانى وكذا مصروفات الباصات، ومع أن "باص" واحدا لم يتحرك فى ذلك الوقت إلا أن أحدًا لم يفكر بأحقية أولياء الأمور فى استرداد هذا المبلغ على الأقل!

ــ الاستثمار الذى نستثمره فى الحجر أتى ثماره طرقا وجسورا ومحاور ومدنا سكنية.. تغيرت أوجه الحياة فى مناطق كثيرة فى مصر، لأن الهدف كان واضحا فى التطوير والعمران.. لكن فى المقابل فإن هذا العمران يحتاج لمن يحميه.. لمن يصونه.. ويحافظ عليه. وهنا الأسئلة: ما الذى يمكن أن نتوقعه من تلميذ او طالب لم يتعلم منذ نعومة أظافره المحافظة على الممتلكات العامة؟ ماذا سيفعل هؤلاء ببطون مقاعد كراسينا الوثيرة فى القطارات والباصات العامة؟ تخيلوا معى - أو تنبأوا- ماذا سيفعلون بتاريخنا إذا صعدوا مثلا.. فوق مسلة أثرية؟!