رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عطر الأحباب

 

 

 

الأب لبنانى مسيحى بروتستانتي، والأم سورية كاثوليكية، والابن فؤاد مصرى قح. فيلسوف صوفي، شعبى فرنسى الثقافة. إنه المسحراتى والد الشعراء، ومن الذى لا يذوب ويتوهج مع كلماته الساحرة بصوت وألحان سيد مكاوي:

«اصحى يا نايم.. وحد الدايم.. رمضان كريم..»

مصر؟!. إنها ذلك الوحش الخرافى الأسطورى الذى يلتهم الوافدين حبًّا وعشقًا، ولا يمنحهم الجنسية الورقية، وما أسهلها، بل يرضعهم الانتماء الأصيل. عندما يكتب فؤاد حداد «1927-1985» مسلحًا بالعذوبة التى لا تشوبها عكارة الصنعة والافتعال:

«الرجل تدب.. مطرح ما تحب

وأنا صنعتى مسحراتى فى البلد جوال

حبيت ودبيت كما العاشق ليالى طوال»

عندما يكتب على هذا النحو، لا غرابة أن يفكر المستمعون فى أن الجد الأعلى لفؤاد لا يمكن أن يكون لبنانيا أو سوريا، بل هو هناك تجد صورته مرسومة فوق جدران معبد مصرى قديم.

الأب سليم بك حداد أستاذ الرياضيات المالية بكلية التجارة جامعة فؤاد الأول، وصاحب العضوية الأولى فى نقابة التجاريين، أما الابن سليل العائلة الثرية فإنه ينحاز مبكرًا إلى الفقراء، ويقوده الاختيار الفكرى والسياسى إلى سنوات طويلة من الاعتقال والسجن والاضطهاد، ويتعرض للتعذيب الوحشى من زبانية السلطة الناصرية، لكنه يخلص فى حبه للرئيس الذى يراه بطلًا شعبيًّا، ويكتب فى رثائه:

«يا حضن مصرى يا طلعة فجر يا ريس

مع السلامة يا والد يا أحن شهيد»

ليس وحده من يتبنى الموقف الذى يوحى ظاهره بالتناقض والازدواجية، فما أكثر الذين يفصلون بين المعاناة الذاتية والانتماء الموضوعي.

فؤاد حداد، الذى لا يمكن إلا أن يكون شاعرًا، هو صاحب الفضل الأول والريادة المؤكدة فى ترسيخ مفهوم قصيدة الشعر العامي. إذا كان النمط التقليدى من الكتابة باللغة العامية قد وصل إلى ذروته مع بيرم التونسي، فإن الشجرة الجديدة المختلفة يزرعها حداد وتورق على يديه ويغذيها معه وبعده صلاح جاهين وزين العابدين فؤاد وسيد حجاب وعبد الرحمن الأبنودى وأحمد فؤاد نجم، وغيرهم من أبناء الأجيال التالية. «والد الشعراء» ليس تعبيرًا بلاغيًّا فضفاضًا، بل هو إقرار للحقيقة التى لا ينكرها أو يشكك فيها إلا متعصب ضيق الأفق.

إنه ساحر بلا شبيه فى لغته البسيطة العميقة التى تنجو من غلظة الحارة وجفافها، وترتقى لتشكل قاموسًا مختلفًا، وهو شيخ طريقة كثيرة المريدين فى غنائه للأرض التى تتكلم العربية، وتحن إلى استعادة فلسطين؛ الأرض والمعنى.

ينجو حداد بفضل رؤيته الإنسانية الصادقة من لعنة المباشرة الفجة والخطاب الزاعق، ذلك أن شعره همس قوامه الحب والتطلع إلى العالم الأفضل. يرفض الرأسمالية لأنها نظام شرس يخاصم الإنسانية، ويحلم بالاشتراكية أداة للانسجام وغياب القهر:

«الرأسمالى بيملك الآلة

أغلال على استغلال على بطالة

يجعل حياتك يا فقير عالة

ويموتك ويبعلك الأكفان»

إذا كانت هزيمة يونية 1967 قد أطاحت باتزان وتماسك صلاح جاهين وغيره، فإن صلابة حداد تحول دون اليأس والسقوط فى هاوية الإحباط والاكتئاب. يثق فى المستقبل وتجاوز الكارثة، ولا يتوقف عند محطة الانكسار كأنها نهاية العالم. يغنى ويطالب غيره بالمشاركة فى الغناء:

«ازرع كل الأرض مقاومة»

يحيى حقى ذو أصول تركية قريبة، وكذلك جاهين، وقبلهما شوقى وبيرم والريحانى وعشرات من الوافدين قريبى العهد بالانتماء المصري، لكنهم يصلون فى عشق مصر إلى قمة يعز الوصول إليها. يندمج فؤاد فى طقوس الوطن الأسطورى وتقاليده وسماته المتفردة، ويتحول مع سيد مكاوى إلى ثنائى غير مسبوق فى التاريخ الاجتماعى والفني:

«وكل شبر وحتة من بلدي

حتة من كبدي

حتة من موال»

.. اصحى يا نايم.