رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مسافة السكة

 

جريمة القتل بالوسائل المعنوية هى إزهاق إنسان لروح إنسان آخر دون المساس بجسده، إنما بإحداث انفعالات تؤثر على عمل أعضائه الداخلية فتؤثر على عمل هذه الأعضاء أو تعطلها مما تؤدى إلى وفاته، ومن تلك الوسائل المعنوية: ترويع طفل صغير مريض بالأعصاب بطريقة متتابعة ومتصاعدة حتى ينهار ويموت، سبّ وإهانة شخص مريض يتأثر بالانفعالات، إشهار سلاح فى وجه آخر والتهديد بقتله فيموت المجنى عليه فزعاً وعندها يعاقب الجانى بعقوبة القتل، أما إذا لم يمت المجنى عليه أو لم يصب بأذى ولم يكن قصد الفاعل سوى التهديد فيعاقب على التهديد لأنه يشكل جرماً مستقلاً بحد ذاته، كإلقاء أفعى ميتة على شخص نائم، الصيحة على شخص يقف على حافة عالية فيسقط، أساليب الضغط النفسى من تعذيب وقهر متلاحق كحرمان شخص من أحبائه أو تجريده من أملاكه، إخبار شخص مريض بالقلب خبرًا بطريقة مفزعة مما يؤدى به إلى نوبة قلبية تنتهى بوفاته!

كل هذه الأفعال تعتبر جرائم قتل (مقصودة أو غير مقصودة حسب نية الفاعل) فيما إذا أدت إلى وفاة المجنى عليه، وقد تطرقت لتلك الامثلة التى من الممكن أن تحدث فى يومنا هذا، ولكن باختلاف الوسائل المعنوية المستحدثة أى باستخدام وسائل التواصل المعنوى أى انتقال مسرح الجريمة من أرض الواقع الى العالم الافتراضي، فما هو الحال لو قام شخص بإهانة شخص يتأثر بالانفعالات عبر مواقع التواصل الاجتماعى مما ادى الى وفاته؟! فهنا يقف القانون حائلًا امام تلك الجريمة بل من الممكن أن تواجهنا صعوبة فى الإثبات اى العلاقة السببية ما بين الفعل والنتيجة، فمن المعلوم ان الركن المادى للجريمة يتكون من الفعل والنتيجة والعلاقة السببية بين الفعل والنتيجة، فإذا ثبُت ان هناك علاقة سببية بين الفعل والنتيجة انتهى الأمر، اما إذا حدث فعل ادى الى قطع العلاقة السببية هنا تنتفى العلاقة !

 إن القتل بالوسائل المعنوية قد ينتقل من ارض الواقع للعالم الافتراضى اى مسرح الجريمة يصبح مواقع التواصل الاجتماعي: فلا يستعمل الجانى فيه أى أداة أو وسيلة مادية لإزهاق روح المجنى عليه لأن القتل يتم غالباً بالتلفظ بكلمات أو بالقيام بحركات تؤثر على نفسية المجنى عليه وأعصابه، كالتهديد أو التخويف أو نقل الأخبار المزعجة أو الضغط النفسى أو التشهير بالشخص أو تركيب صور وفيديوهات إباحية مما تمس ليس فقط الشخص صاحب الفيديو المفبرك بل أسرته والعائلة بالكامل.

إننا بحاجة الى إعادة النظر فى التشريعات والقوانين حتى توائم التطورات والجرائم المستحدثة باستخدام أساليب معنوية حديثة، وايضًا بحاجة الى التعامل مع الجرائم المستحدثة باستخدام وسائل معنوية غير مرئية، مما يجعلنا نُصادف صعوبة فى الإثبات وإن حدث واستطعنا اثبات الجريمة عن طريق تتبع الحساب ولكن يصادفنا صعوبة اثبات علاقة السببية بين موت الجانى نتيجة تلك الوسائل المعنوية او سبب للوفاة آخر فيؤدى الى انقطاع العلاقة السببية !

فكلما تطورت التكنولوجيا اصبح العالم بمثابة قرية صغيرة فما يجمع الجناة هو الحاسب الآلى، فيصادفنا تنازع القوانين، فمن الممكن ان يحدث الفعل فى دولة والنتيجة فى دولة أخرى وآثار الجريمة فى دول عدة، فنحن بحق امام ازمة لم يفلح القانون فى الحد منها أكثر من الوعى والإدراك لدى الشعب بكيفية أخذ الحيطة والحذر اثناء التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعى التى أصبحت فى جانب منها خطرًا يهدد أمن الأفراد والدول.

فنحن فى الحقيقة نُعانى اليوم من الأذى النفسى الذى من الممكن أن يصل لموت الشخص أو إلحاق أذى به يُصاحبه طيلة حياته ولا يستطيع التخلص منه، أعلم أنها جرائم يُعالجها سلوك أشخاص، يُعالجها فكر ووعى، يُعالجها عودة قيم ومباديء وتقاليد غابت عنّا فى الفترة الأخيرة، يعالجها مجتمع بأكمله بدءًا من الأسرة مرورًا بالدراما ومن ثم التعليم، ولكن حينما يتفاقم الأمر وتصبح ظاهرة تؤرق مجتمعًا فيجب التصدى لها بداية بالفكر ومن ثم بالقانون !

عضو مجلس النواب