رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

أعرف أن السياسة لها مقتضياتها، وأنها كما علمونا هى فن الممكن وليس المستحيل، لكن هذا شىء وتقديم خطاب منسجم بشأن التعاطى مع أزمة بعينها شىء آخر. أقول ذلك وفى ذهنى ما أشرت إليه فى المقالين الماضيين من ملمح ربما لم يتعاط معه أحد بالشكل والاهتمام الكافيين بشأن تطور الموقف المصرى بل والسودانى من أزمة سد النهضة.

يتمثل هذا التطور فى الموقف من عملية الملء الثانى والتى أشرت، وهو ما أكدته التطورات فيما بعد، أنها أصبحت عملية مقبولة، على خلاف الرؤية الأساسية لدولتى المصب والتى عبر عنها على المستوى المصرى وفى مواقف عديدة وزير الخارجية المصرى سامح شكرى بتأكيده على أن الملء يمثل فرضا لأمر واقع ربما يصعب تغييره.

بدأت ملامح هذا التغير فى موقف شكرى اعتبارا من منتصف أبريل الماضى تقريبا وكان أولها تأكيده فى تصريح لقناة العربية على أن مصر ستتحرك إذا لحق بها ضرر مائى جراء سد النهضة، وهو ما كان يعنى أن الملء الثانى ليس بالضرورة يمثل خطرا يلحق بنا الضرر. وتأكد ذلك وبالوتيرة ذاتها باستخدام التلميح خلال بيانه أمام اجتماع لجنة الشئون الأفريقية بمجلس النواب حين أشار إلى أن أزمة سد النهضة مرهونة بمدى الضرر الذى سيقع على مصر. غير أن موقف شكرى تطور إلى التصريح الواضح بالأمر لقناة «تن» أمس الاول حين أشار إلى أنه لدينا ثقة فى أن الملء الثانى لن يؤثر على المصالح المائية المصرية ونستطيع أن نتعامل معه من خلال الإجراءات المحكمة فى إدارة مواردنا المالية.

وعلى هذا الأساس يمكن أن نتوقع أن مفاوضات أزمة سد النهضة يمكن أن تتواصل بالوتيرة ذاتها ودون تحقيق اختراق حقيقى حتى بعد عملية الملء الثانى فى ضوء أنه لا يوجد ضرر حقيقى على مصر، وأن مصر لديها رصيد من الأمان، حسب تصريح شكرى، متوفر بخزان السد العالى.

يأتى ذلك على خلاف مواقف شكرى السابقة التى كانت ترفض إقدام أثيوبيا على خطوات أحادية بالملء قبل التوصل لاتفاق ومن ذلك مثلا تحذيره فى مارس الماضى خلال لقاء مع منسق الشئون الخارجية الأوروبى من إقدام إثيوبيا على ملء السد أحاديا وأن ذلك سيكون له تداعيات سلبية. وهو الأمر الذى أكد عليه شكرى مع جوتيريش سكرتير عام الأمم المتحدة ١٣ أبريل الماضى من خطورة الملء الثانى دون التوصل لاتفاق وأثر ذلك على استقرار وأمن المنطقة!

إذا أضفنا إلى ذلك ما أكد عليه الوزير شكرى خلال مداخلة مع الإعلامى أحمد موسى أوائل أبريل الماضى من أن خطوة الإقدام على الملء الثانى خطيرة يمكن لنا أن نلمس طبيعة وحجم التغير فى موقفه والموقف المصرى من هذه العملية.

قد يكون الأمر أكثر دلالة فى الإشارة على ما نود الذهاب إليه إذا أشرنا إلى تأكيدات شكرى ليس بخطورة الملء الثانى وإنما الملء الأول حيث اعتبره فى حوار مع وكالة أسوشيتدبرس فى يونيو الماضى خرق لاتفاق المبادئ الموقع عام ٢٠١٥ وأنه على هذا الأساس كان توجه مصر لمجلس الأمن لتحمل مسئولياته باعتبار أن مثل هذه الخطوة تهدد السلم والأمن الدوليين.

من المؤكد أن التحركات الدبلوماسية على خلفية أزمة سد النهضة الأسبوعين الماضيين لم تذهب سدى. المشكلة أن حجم المعلن بشأن هذه التحركات محدود ويفرض على المتابع للقضية التساؤلات محل هذا المقال. وفى تفسير تحول الموقف المصرى الذى يعبر عنه الوزير شكرى يمكن التأكيد على أن مصر حصلت على تطمينات بعدم الإضرار بحقوقها المائية وهى النقطة الأساسية حيث أن القاهرة تعلن أنها مع حق إثيوبيا فى التنمية، فضلا عن أن السد أصبح أمرا واقعا. غير أن التحفظ على مثل هذا النهج أنه يعكس أسلوب تعامل ساهم برؤيته المرنة وعدم الرغبة فى تعقيد الأمور فى تعقيد الأزمة ذاتها والوصول إلى المرحلة التى نحن عليها.

صحيح أننا لدينا يقين بعدم تهاون المفاوض المصرى بحقوق بلاده، وبقدرته على حسم الموقف فى الاتجاه الذى يراه مناسبا وقت الضرورة.. غير أن ترك الأمور فى نطاق الاحتمالات يبقى أحيانا موضع خطورة.. وذلك هو مصدر الخوف!

[email protected]