رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

هذا نبينا (5)

لم يعرف التاريخ رجلا رصد أصحابه وأتباعه كل تصرفاته مثل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.. بدءا من قضاء الحاجة وكيف كان ينام.. وصولا إلى كل ما كان ينطق به في شئون الدنيا و الدين.

ومن العبث والكذب على رسول الله أن ننقل أقواله مجتزأة من سياقها و الموقف الذي قيلت فيه.. وهو ما يسميه أهل الحديث أسباب الورود.. ولأن الحكمة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فعلى السفهاء وضعاف العقول ألا يتخرصوا على خير البشر فيسيئوا لسيرته العطرة..

أو كما يقول الشيخ محمد الغزالي في فقه السيرة.. "بليت السنة من قديم بمن يحفظ منها الكثير ولا يعي إلا اليسير.. وتعجب السيدة عائشة من أبي هريرة حين جلس يروي، ليس لأنها تتهمه بكذب، بل لأن أسلوب تحديثه يهدر الملابسات التي قيلت فيها هذه الأحاديث بعدما طويت طياً في سرده الموصول".

وتجمعت قوى الشر على إهالة التراب على سنة الحبيب المصطفي.. مابين حاقد وجاهل.. ومن ذلك ما ذكره البعض عن حديث إرضاع الكبير.. كلمة من حديث صحيح أطلقها أحدهم.. لتكون شبهة يساء بها لنبي الرحمة وتسفيها لحكمته.. لكن هل من أطلق تلك الشبهة رواها في سياقها.. هل فهم الحكمة منها قبل أن نطالبه بشرحها لمن استمعوا له.. ومن المبكيات أن أمثال هؤلاء الفتانين يجدون من يحتفي بتخاريفهم.. وزيادة في الضلال قد تجد أسماءهم يزينها لقب دكتور.. المهم أن تبلغ شبهته الآفاق.. ويتلقفها ضعاف النفوس.. ليسخر السفهاء من الإنسانية في أسمى صورها.. والحكمة في أعلى درجاتها.. ونستمع لأحاديث مقززة عن إرضاع الموظفة لزملائها في العمل.. وليت هؤلاء يبلعون ألسنتهم قبل أن يحدثوا عن رسول الله بجهالة، وربما خبث.

كان الصحابي أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة يتبنى سالما.. ولما نزلت الآية " ادعوهم لآبائهم..".. بدأ وزوجته سهلة بنت سهيل يشعران بالحرج من دخول سالم عليها.. وهنا وجد رسول الله نفسه أمام وضع قائم.. وولد سيحرم من أب وأم لا يعرف غيرهما.. وجد صبيا على وشك أن يشرد، ويلقى خارج بيت تربى فيه وليس له غيره.. فكانت الحكمة والرحمة لوصل ما انقطع.. فهو من قال أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة.. فكيف به يحكم بإلقاء ذلك المسكين للمجهول بعيدا عن حضن أمه التي ربته.. فما كان منه صلى الله عليه وسلم إلا أن وجد لذلك المسكين سببا يربطه ببيته.. وهو بنوة الرضاعة.. فقال للمرأة أرضعيه خمس رضعات فيحرم بلبنها.

إلى هنا انتهت القصة.. ولو رويت كلمات نبي الرحمة وسط سياقها الطبيعي..ما لاقت كل تلك السخرية و الإفك.

وإذ كان ما كان.. وقيل ما قيل من تخرصات وجهالة على نبي الرحمة.. نجد أنفسنا مضطرين لتفنيد ما يزعمه المبطلون حول إرضاع الكبير.. وأول شىء أنه لا رضاعة بعد بلوغ الطفل عامين بحكم القرآن.. "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة" 233 البقرة.. وهنا يقرر كتاب الله أن تمام الرضاع عامين.

ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يُحِّرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام " . رواه الترمذي..

والسؤال هنا بعد الرواية الأصلية هل نحن مضطرون للتأكيد على أن إرضاع سالم كان حكما خاصا. هل نحن مضطرون لسوق الأدلة للعقلاء على أن أمهات المؤمنين والصحابة أجمعوا على أنها كانت رخصة خاصة بسالم وحده وأمه سهلة؟!..

يورد مسلم في صحيحه أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقول: أبى سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخلن عليهن أحدا بتلك الرضاعة. وقلن لعائشة: والله مانرى هذا إلا رخصة أرخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم لسالم خاصة.. وهو ما أكده أيضا مالك في موطأه.

أما صحابة رسول الله فلم يكن لشياطين الإنس والجن مدخل عليهم في فهم نبيهم وصاحبهم صلى الله عليه وسلم.. فيروي مالك في الموطأ.. أن رجلا اشتكى لعمر بن الخطاب أن زوجته أرضعت جاريته لتصبح ابنتها وتحرم عليه جماعها.. فما كان من عمر إلا أن قال له "أوجعها وات جاريتك فإنما الرضاعة رضاعة الصغير". وعليه أيضا فقد أفتى عبد الله بن مسعود لمن رضع من زوجته بأنه لا رضاعة إلا ما كان في الحولين.

وهنا لابد أن تفهم أمة الإسلام مبدأ عام وقاعدة ذهبية لما يروى عن نبي الرحمة.. وهي أن "الحكمة" سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم.. وأن ترد أقواله جميعا إلى جانب الحكمة والخير والسمو.. أما الخبل وما يهيله الحمقى من حماقات وعدم فهم على سنة نبينا فهو منه براء.. وأن يدرك المسلمون أن أصحاب القلوب المريضة لا يبحثون إلا عن الزلل والإساءة.. وإلا ما كان مبرر من أثار جدلا حول مسألة إرضاع الكبير.. ويقول المولى عز وجل في كتابه الحكيم.. (..فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ..)

[email protected]