رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عطر الأحباب

 

 

لا تكمن عبقرية عاطف الطيب «1947-1995»  فى رؤاه السياسية والاجتماعية، فما أكثر صناع السينما الذين يقدمون شرائط ماسخة مليئة بالعك والفجاجة، متوهمين أنهم يقودون الجماهير التى تسخر منهم. جوهر الفن أن تكون مبدعا يتقن لغته الخاصة، ويقدم تشكيلا جماليا يدعم الرؤية ولايشوش عليها؛ وهكذا عاطف الطيب.

عاطف مخرج هادئ لا يعرف الانفعال الصاخب غير المحسوب، وعدو لدود للزعيق والثرثرة والخطب الإنشائية المنبرية والتحريض الفج الرخيص. ما أجمل أن تتوقف أمام نهايات أفلامه، حيث الوصول إلى الذروة المنطقية المقنعة التى تتكئ على ما يسبقها من تطورات، ولا تُفرض قهرا وجبرا. هكذا هو فى «سواق الأتوبيس» و»ضد الحكومة» و»البريء» على سبيل المثال. التحول الجذرى الذى يطول السائق والمحامى والمجند لا يمكن أن يُفهم بمعزل عما قبله، وينعكس بالضرورة على أسلوب أداء نور الشريف وأحمد زكي. عند الآخرين من صناع السينما التجارية التافهة، تلوح النهايات دائما كأنها الورطة، يتخلص منها المخرج بتأجيل عمل اليوم إلى غد لن يأتى أبدا.

كثير من مشاهد عاطف الطيب أقرب إلى اللوحة التشكيلية التى تستوطن العين والقلب معا، وفى إيقاعه شعر هامس تصاحبه موسيقى صافية لا شيء فيها إلا باقة من الألوان المنعشة، أما عن قدرته على تفجير طاقة الممثل واستخراج أفضل ما فيه، فلعلها السمة الأبرز والأكثر تعبيرا عن موهبته الفذة فى القيادة. أفلامه مع أحمد زكى ونور الشريف ومحمود عبد العزيز تنهض دليلا عمليا على ذلك، لكن النجاح لا يقتصر على هؤلاء الموهوبين منذ البدء، بل إنه يمتد إلى بعض الممثلات اللاتى لا يشعرن أنهن ممثلات مبدعات إلا معه، ومنهن لبلبة فى «ليلة ساخنة» و»ضد الحكومة»، وهالة صدقى فى «الهروب» و»قلب الليل».

«قلب الليل» مغامرة استثنائية ذات شأن فى تاريخ السينما المصرية، ولا غرابة فى أن يكون الفيلم الناضج بالغ الأهمية والعمق هو الأقل حظا فى الانتشار الجماهيرى والنجاح التجاري. لا شيء يؤخذ على الفيلم، حتى عند عدد من النقاد المحترفين الجادين، إلا الرؤية الفكرية الفلسفية التى تضفى شعورا بالمشقة وتدفع العقل إلى الإسراف فى التفكير والتأمل، ولعل هذا الملمح هو الأهم، ذلك أن التطلع إلى تجاوز التبسيط ومخاصمة المباشرة، يُحسب للفيلم ولا ينبغى أن يُحسب عليه.

تسعى السينما السائدة إلى تشويه وتزييف الوعي، وقد يُسمح بشيء من النقد الاجتماعى والسياسى المحدود، لكن مخاطبة العقل ومراجعة الثوابت ليس مستساغا أو مسموحا به، ذلك أن الهدف الأسمى هو إلغاء العقل وليس إيقاظه.

 بالنظر إلى عمره القصير، يمكن القول إن عاطف الطيب صاحب إنتاج غزير، لكن قيمته السامية فى سجل التاريخ السينمائى لا تقترن بالعطاء الكمي، بل هى فى الرؤية المتكاملة التى تجمع بين متعتى الفرجة والفكر. ليس متعاليا ممن يحسبون أنفسهم على الصفوة، ذلك المصطلح الهلامى الماسخ الذى لا وجود له فى الواقع المصري، وليس ممن يخاطبون الغرائز ويتسلحون بالخفة والسوقية فى التعاطى مع تحديات الحياة وتحولاتها.

 الصعيدى الجميل عاطف، فى فيلم «الهروب»، يقدم شهادة صادقة دافئة محبة عن عالم الصعيد الحقيقى وناسه الطيبين الأقوياء، رجالا كانوا أم نساء. ما أروع جنازة الأم، زوزو نبيل، منذ لحظة مغادرة البيت حتى استقبال العزاء فى المقابر. قد لا يكون الممثل الذى يقدم شخصية الجد معروفا شهيرا، لكنه يختصر بملامح وجهه ولهجته وحركته وملابسه عالما كاملا يشوهه السطحيين. يالشموخه لاذع القوة والسخرية عندما يقول للضابط ابن قريته، عبد العزيز مخيون: حياتك الباقية يا ولدي!.

أى توبيخ يفوق كلماته البسيطة المحايدة هذه؟