رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

 

 

 

 

إذا كانت العلاقات الإنسانية تقوم فى جانب منها على مبدأ «أن ليس كل ما يعرف يقال» فإن هذا المبدأ ربما يمكن اعتباره ألزم ما يكون بالسياسة وخاصة العلاقات بين الدول، وربما تكون أزمة سد النهضة نموذجًا عمليًّا على تطبيق هذا المبدأ. وإذا كان صاحب هذه السطور – وآخرون غيره – قد أشار منذ سنوات عدة إلى وجود بعض جوانب الغموض التى تحيط بإدارة هذه الأزمة وتجعل منها بمثابة لغز ما يؤدى بالمتابع لها إلى عدم فهم مجرياتها، فإن تطورات الأحداث الأخيرة على مدى الأسبوعين الماضيين تجعلنا نتصور أن التعاطى مع الأزمة عاد سيرته الأولى وأن هناك جوانب يجرى إعدادها وراء الكواليس، بعيدا عن ضغوط الرأى العام، فى محاولة الوصول إلى حل توافقى من المؤكد أنه سيكون فى النهاية مثيرًا للجدل، وإن كان حلا يستطيع معه كل طرف أن يشعر بأنه يحقق له مطالبه وأن يواجه به أبناء شعبه فى النهاية.

يشير إلى ذلك التحركات التى من المتوقع أن تشهدها جهود حل الأزمة خلال الفترة المقبلة والتى وصفها البعض إعلاميا بوساطات «الحل الأخير»، ومنها اعلان رئيس أوغندا تدخله للتوفيق بين أطراف الأزمة، وزيارة الرئيس الأريترى للخرطوم، والجولة التى من المقرر أن يقوم بها المبعوث الأمريكى للقرن الأفريقى لدول الأزمة. ومن الواضح أن هذه التحركات المحمومة لمحاولة إنقاذ الموقف جاءت على وقع الهجمة الدبلوماسية التى قامت بها دولتا المصب، فى الفترة الأخيرة واللغة الخشنة التى استخدمت من قبل قياداتها وخاصة تلك التى أشارت إلى احتمال أن تواجه المنطقة أخطارا غير مسبوقة ما يعنى احتمالات تجاوز الحل التفاوضي. فضلا عن حقيقة نفاذ الوقت وقرب ساعة الصفر لسيناريو الملء الثانى والتى تمثل تحولًا فى مواقف الأطراف التفاوضية وفى طبيعة الأزمة ذاتها.

ودون قفز على حقائق المفاوضات، يمكن الإشارة إلى أن الملمح الأساسى لهذه الجهود لجهة تأثيرها على مواقف أطراف الازمة يتمثل فى تغير نبرة خطاب دولتى المصب، مصر والسودان، الأمر الذى ربما يعكس عملية طمأنة بعدم خروج سيناريوهات الحل عن هدف تحقق الجانب الأساسى من مطالبهما. وبشكل محدد يمكن الإشارة إلى أن هناك بوادر عملية قبول للملء الثانى وعدم اعتباره نهاية المطاف فى التعامل مع الأزمة وهو ما يعكس حالة تهدئة كبيرة قد يمثل الرهان عليها فى نظر بعض المتابعين مغامرة كبيرة، وإن كان غير ذلك فى نظر من يدير الأمور باعتبار أنه يملك كما أشرنا فى بداية المقال ما لا نملكه من دراية بمسار الأزمة.

بمعنى آخر، وفى حدود ما يمكن الخوض فيه، أن اللغة الخشنة وهى المرادف للصدام فى حالتنا المصرية فى التعاطى مع هذه الأزمة تحديدا بعيدا عن الدبلوماسية والتفاوض لم تعد مطروحة على الأقل فى المدى المنظور ويشمل هذا المدى تحقق عملية الملء الثانى، ويتأكد ذلك من تحليل تصريحات المسئولين المصريين المكلفين بالتعاطى مع الأزمة والتى أصبحت تؤكد على عدم قبول مصر بأى حال من الأحوال الانتقاص من حقوقها المائية وتوارى الحديث عن اعتبار كون الملء الثانى يمثل الخطر الذى يدخلنا هذه المرحلة.

ربما يكون الموقف السودانى أكثر وضوحًا وأكثر تعبيرًا عن الفكرة التى نشير إليها فى هذه السطور، وهو ما يبدو من تصريحات وزير الرى ياسر عباس والتى أشار فيها إلى أن هناك عددًا من السيناريوهات يتم الإعداد لها لتقليل مخاطر الملء الثانى مع تحمل خسائر كبرى بالتوليد الكهرومائى فى حالة إصرار الجانب الأثيوبى على الملء الأحادى دون توافق بين الدول الثلاث، ما يعنى قبول عملية الملء الثانى كأمر واقع والتعاطى مع ما بعدها من أخطار!

هل يمثل ذلك تحققًا للسيناريو الأول من الثلاثة التي أشرت إليها فى مقال سابق؟ أعتقد وإن كان ذلك لا يعنى بأى حال أن ملف الأزمة قد أغلق على هذا النحو، حيث إنه يبقى فى كل الأحوال مفتوحًا على كل الاحتمالات رغم كل محاولات التبريد التى تجرى للأزمة.

[email protected]