رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

 

 

لو لم يكن الدكتور مصطفى الفقى دبلوماسياً لكان روائياً شهيراً. فكل مَن يعرف الرجل يدرك أنه حكّاء بارع، جذاب، وقادر على اختطاف الناس بسرده الماتع لوقائع إنسانية فيها جمال البشر بقوتهم وضعفهم وطموحاتهم وصراعاتهم.

فى مذكراته الماتعة التى تحمل عنوان «الرواية»، والصادرة مؤخرا عن الدار المصرية اللبنانية، حكايات مُدهشة عن ماضٍ مُثير عاصرناه، وعايشنا أحداثه وتحولاته وناسه وأفكاره.

لقد عمل الرجل لنحو ثمانى سنوات مع الرئيس مبارك سكرتيراً للمعلومات، وقبلها كان دبلوماسياً رفيعاً خدم فى أماكن عُدة، وبعدها صار رئيساً للجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب.

يتناول الحاكى قصة التوريث المفترض لجمال مبارك فى حكم مصر، مؤكداً أن دوائر وأجنحة فى النظام الحاكم كانت تدفع بقوة لتمريره، لكنه يشير إلى أن مبارك نفسه حدثه فى عام 2006 عن ذلك، وقال له إن مصر ليست سوريا، وأنه لا يتمنى لابنه نهاية مثل نهاية السادات. وأخبره مبارك أن وجود جمال إلى جواره لا يعنى توريثاً أبداً، لكنه يُفضل ذلك حتى لا يسافر ابنه إلى أوروبا للعيش هناك، خاصة أنه تجاوز الخامسة والسبعين ولا وقت لابتعاده عنه.

غير أن «الفقى» يشير إلى أن السنوات التالية شهدت إقناع مبارك نفسه بسيناريو التوريث من بعض رجال النظام.

ويبدو أن آراء أعمدة النظام بشأن التوريث قد تباينت، ففتحى سرور رئيس البرلمان السابق كان متحفظا على ذلك لأنه ليس من اللائق الحديث عن «توريث» ومبارك فى الحكم. كذلك فقد قال زكريا عزمى لصاحب المذكرات أنه سيترك عمله فى الرئاسة فور وصول جمال مبارك للحكم.

لكن كمال الشاذلى، القيادى بالحزب الوطنى أخبره ذات يوم بأنه قادر على إتمام سيناريو التوريث فى رُبع ساعة.

الغريب فى الأمر أن «الفقى» يذكر أنه كان مسافراً خارج مصر بصحبة اللواء عمر سليمان رئيس المخابرات الأسبق، وفوجئ به يقول له «إن مهمة المخابرات العامة هى أن تضع جمال مبارك فى طريقه نحو الرئاسة، لأن ذلك هو ما يمنح مصر الاستقرار».

ووجه الغرابة هُنا أن الحكاية تناقض شهادات أخرى مفادها أن عمر سليمان كان رافضاً بقوة سيناريو التوريث. وليس أدل على ذلك من أن مذكرات أحمد أبوالغيط، وزير الخارجية الأسبق تضمنت حواراً بينه وبين «سليمان» قال هو فيه إنه لن يستمر يوماً واحداً فى عمله حال تولى جمال مبارك حكم مصر، فرد عليه عمر سليمان «ولا أنا».

والغالب عندى أن شهادة «أبوالغيط» أقرب للحقيقة لمعرفة موقف عمر سليمان، لأنه كان أكثر قرباً من الرجل لتشاركهما فى كثير من الملفات الاستراتيجية، وأنه ربما يكون حديث «سليمان» لـ«الفقى» مجرد محاولة منه لاستقراء عقله.

وتبقى أطرف الحكايات التى يرويها الرجل، والدالة على نظرة أى حاكم لحياة من يعملون معه، أنه فى إحدى المرات عندما سافر مع مبارك إلى نيويورك لحضور اجتماع بالأمم المتحدة، وفوجئ بتخصيص سيارة له مماثلة لسيارة الرئيس تماماً ففرح بشدة وتخيل أنه مُرشح لمنصب كبير، لكنه بعد عودته علم أن ذلك التصرف جاء كإجراء أمنى لتشتيت أى محاولة لاغتيال مبارك، فيفتديه بحياته!

كذلك، فقد غضب «مبارك» يوماً من «الفقى» لأنه تأخر عليه فى كتابة خطاب عيد العمال، فأرسله فى مهمة إلى ليبيا وقت أزمة لوكيربى، ولم تكن هناك قطع غيار للطائرات فى ليبيا بسبب الحصار، ما عرّض حياته للخطر.

وتلك حكايات لذيذة، موحية، ومُنيرة لحقبة زمنية مازالت متخمة بالأسرار.

والله أعلم.

 

mailto:[email protected]