رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عطر الأحباب

 

 

 

مع أسامة أنور عكاشة «1941-2010»، يتحول المسلسل التليفزيونى إلى نص إبداعى مؤثر ذى قيمة راقية، يُنسب إلى مؤلفه فى المقام الأول، ويصنع شهرة ونجومية الممثلين. لم يكن الأمر هكذا قبل بزوغ شمس أسامة، فالمسلسل قد يحقق النجاح المدوى غير المحدود، ولا يعرف المشاهد اسم مؤلفه. البطولة، كل البطولة، للممثل والممثلة، وللمخرج فى أحيان نادرة.

أسامة فى الدراما التليفزيونية هو نجيب محفوظ فى الرواية، وكما يردد العاديون من الناس، الذين لا يقرأون الروايات، أسماء «سى السيد» و«أمينة» و«كمال عبد الجواد» و«حميدة»، وغيرهم من شخصيات نجيب، تتحول أسماء شخصيات عكاشة إلى جزء من نسيج الحياة اليومية ولغتها الشائعة، ومن الذى لا يعرف العمدة «سليمان غانم» والمتغطرسة «نازك السلحدار» والباشا «سليم البدري» والمعلمة «فضة المعداوي» والمتفرد «حسن أرابيسك» والمصلح المثالى «أبو العلا البشري»؟.

لا يقتصر التشابه بين أسامة ونجيب على هذا الجانب وحده، فهناك أيضا ذلك التعبير الخلاب الصادق العميق عن قضايا وهموم المجتمع المصري، حيث الانغماس المحب فى أعماق الحياة الشعبية بعد إزالة الصدأ والابتذال. عندئذ يتحول القبح إلى جمال فنى متوهج، وتكتسب السوقية رونقًا وبهاء. كلاهما، نجيب وأسامة، لا يعرف الاشتباك الفج مع الواقع وقضاياه، ولا يميل إلى الصخب والصوت العالى المنفر، فمن ضرورات التأثير على المتلقى أن تكون مبدعًا إنسانًا وليس خطيبًا واعظًا أو محاضرًا ثقيل الظل.

المكان عنصر مهم فى التشكيل الفنى عند أسامة، ويتجلى ذلك ساطعًا فى «الراية البيضا» و«أرابيسك» و«عصفور النار»، فضلا عن «الشهد والدموع» و«ليالى الحلمية» بطبيعة الحال، والبراعة فى رسم ملامح الشخصيات سمة تميزه وتجعل منه رائدًا فى تاريخ الدراما التليفزيونية.

يعالج أسامة أخطر القضايا المعقدة، التاريخى منها والواقعي، مسلحًا بمزيج نادر من الوعى الفكرى والتوهج الفني، ما يصنع فى النهاية نصًّا إنسانيًّا، ولأن اجتهاداته السياسية والاجتماعية والثقافية لا تروق لأصحاب التوجهات المخالفة، وهذا منطقى مشروع، فإنه يخوض عديدًا من المعارك الطاحنة التى يتشبث فيها بجملة من المواقف والثوابت التى لا يحيد عنها أو يتراجع. يدافع عن الحق والخير والجمال، ويراود أحلام العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والحرية الفكرية. عداؤه صلب بلا هوادة للقبح والابتذال والفساد والسوقية، ومع جرأته وشجاعته فإنه لم يُصب يومًا بداء المباشرة والزعيق والخطاب التحريضي، فهو يؤمن منذ البدء أن رسالته لن تصل بمعزل عن احترام آليات البناء الفنى وقواعده.

سينما أسامة أنور عكاشة أقل بريقًا من مسلسلاته التليفزيونية، وإذا كانت رؤيته متماسكة ناضجة مؤثرة فى فيلم مثل «دماء على الأسفلت»، للمخرج الكبير عاطف الطيب، حيث التشريح الدقيق لفداحة التحولات الجذرية الموجعة التى تطول المجتمع المصرى بفعل الانفتاح، «السداح مداح» وفق تعبير أحمد بهاء الدين، ورصد التفسخ وهيمنة القيم الوافدة المدمرة، فإن الأمر يختلف فى «كتيبة الإعدام»، مع المخرج نفسه، ذلك أن فكرة الجمع بين دورى القاضى والجلاد حافلة بالمخاطر، والنبرة الإنشائية الزاعقة فى التعبير عن المشاعر الوطنية تبدو مفتعلة مصنوعة.

مسلسلات أسامة، فى جملتها، لابد أن تتحول بالضرورة إلى وثيقة تاريخية فنية لا غنى عنها للإحاطة بطبيعة الحياة المصرية فى القرن العشرين، تمامًا كما هو الحال بالنسبة لكتابات نجيب محفوظ الروائية والقصصية. ليس مثل تعبير «وصف مصر» لتجسيد المعنى، وهو وصف دافىء بسيط، يتفوق بعفويته وعذوبته على تنظيرات الأكاديميين ثقيلى الظل، فى ساحات التاريخ والاجتماع وعلم النفس.

مع المقدمة الموسيقية البديعة لمسلسل «ليالى الحلمية»، يطل الشجن الجميل النبيل لكلمات سيد حجاب: «ليه يا زمان ما سبتناش أبريا»؟.

وياله من سؤال!.