عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

 

ليس أجمل من تقدير مُستحق، إشارة تألق، مكافأة إلهية على جُهد وكد ومثابرة. أن تجد مَن يمتن لما تفعل، يكترث، يهتم، ينتبه ويراك جديرا بالاحتفاء. أن يقف إلى جوارك مُشجع، ومُساند، وداعم لتواصل رحلة إبداعك، نافحا بنى البشر عصارة عقلك، وخلاصة توهجك.

بهذا المنطق سعدت بفوز المفكر الجميل سعيد المصرى، بجائزة الشيخ زايد للكتاب، عن كتابه الرائع «تراث الاستعلاء».

 لقد شعرت لحظتها أن الجمال يُقدر، والجهد يُرى، وأن هناك عيونا ترصد، وعالما يقرأ، ومؤسسات تُشجع وتُحفز كل جمال. فالرجل عالم اجتماع متميز، يكتب بعمق، يُحلل بمهارة، يُناقش افتراضات بوعى، وينتهى إلى نتائج غير معتادة.

كان الصديق الكريم الدكتور أحمد سالم أستاذ الفلسفة، أول مَن لفت نظرى لكتابات سعيد المصرى، إذ كنا قد اتفقنا بحكم صداقتنا أن نُرشح لبعض الكتابات القيّمة، لنمنحها أوقاتنا، فرشح لى كتاب «تراث الاستعلاء» لأجد أمامى كاتبا فريدا شديد العمق، عظيم الروعة، استمتعت فيما بعد بالمحاورة معه.

يخلص الكتاب إلى أن ثقافة الاستعلاء تسود المجتمعات العربية بكافة مستوياتها، إلا أن أخطرها وأكثرها انتشارا الاستعلاء الدينى الذى رسخته التيارات الدينية على مدى عدة عقود.

لقد وقفت كثيرا عند سؤال مهم طرحه الرجل كان محل حيرة لى هو ما السر فى أن معظم قيادات التيار الدينى المتعلمين حاصلون على شهادات علوم طبيعية (هناك 30 قيادة بارزة داخل جماعة الإخوان تخرجوا فى كليات الطب، الصيدلة، العلوم) ولماذا لا يوجد أى شخص فى الهرم القيادى للإخوان أو تنظيم القاعدة أو غيرهما له أى خلفية تعليمية فى مجال الفلسفة أو الأدب أو الفن؟؟

 يُقدم الرجل تحليلا منطقيا دامغا مفاده بأن التيارات الدينية لا تقبل تعددا، وإنما هى أسيرة الفكر الواحد والرأى الواحد والحكم الواحد. والعلوم الطبيعية هى علوم حقائق، تقوم على حل وحيد ولا تقبل التعدد، بينما نجد أن العلوم الإنسانية تفتح الباب لفكرة التعدد، والآراء المتنوعة والنقد المتحرر.

ويمايز سعيد المصرى بين فكرة الاستعلاء لدى كل تيار من تيارات الإسلام السياسى، فالسلفيون مثلا يرون أنفسهم أهل العلم، والفرقة الناجية، بينما يرى الإخوان أنفسهم بحسب تعبير حسن البنا ـ العقل الجديد الذى يريد الله أن يفرق به بين الحق والباطل، ودعاة الإسلام، وحملة القرآن، وصلة الأرض بالسماء، وورثة محمد وصحابته، وخلفاؤه من بعده، لديهم غايات سامية فى وقت التبست فيه المسالك على الناس وضلوا السبيل. غير أن الاستعلاء لدى التيار الراديكالى الجهادى أبسط وأوضح إذ يرون أنفسهم مؤمنين وسواهم كفارا.

ومن آراء سعيد المصرى أن مقولة تجديد الخطاب الدينى والمتكررة كثيرا على المستوى الإعلامى أشبه بحوار الطرشان، إذ لا يوجد تعريف حول معنى كلمة «تجديد» ولا يوجد تحديد لمفهوم «الخطاب الديني»، فضلا عن أن المطالبين بالتجديد أنفسهم هم قيادات المؤسسة الدينية التقليدية التى تتصور أنها تحتكر وحدها الخطاب، بل وتحدد ثوابته.

ويشير «المصري» إلى أن أهم سمات الخطاب الدينى الآنى تتلخص فى أربع أفكار سلبية، الأولى أن النقل أهم من العقل، الثانية أن الموت أهم من الحياة، والثالثة هى أن المظهر أهم من الجوهر، والرابعة أن كل شىء مكتوب ومقدر جبرا، وأن الإنسان مجرد مفعول به لا اختيار له.

والكتاب زاخر باستخلاصات متعمقة تؤكد وعى صاحبها وتأملاته المتريثة والواعية بأوجاع مُجتمعاتنا البائسة، لذا فإنه يستحق عن جدارة عظيم التقدير..

والله أعلم.

 

mailto:[email protected]