رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

المجتمعات الأبوية تفرز باستمرار نماذج أو موديلات لأبطالها، ثم تنتخب من هذه النماذج من يمثلها فى الدراما السينمائية أو التليفزيونية.. هذه المجتمعات الأبوية فى حالة بحث دائم عن أب يقود وينفق ويطبطب ويقهر ويستبد ويدمر. وفى كل الأحوال والحالات هى مجتمعات بطبيعة تكوينها شديدة الإخلاص لهذا الأب، وفى الغالب يكون الإخلاص بدافع الخوف والضعف وليس الحب والإيمان.. أعلى نماذج المجتمعات الأبوية تتجسد فى علاقتها بالله وتجسيد هذا الإله فى حياتهم بصور قريبة ومتماهية مع الأب البشري. فهو قاهر ومنتقم وجبار وأيضاً رحيم وغفور ورازق.. مع الأخذ بسياسة الانفتاح والتجارة والشطارة والمكسب السريع «منتصف السبعينيات» اتسعت فى مصر طبقة الحرفيين وقويت شوكتها بقوة القيم المادية التى تلخص المبادئ الإنسانية كلها فى جملة «أفيونية» تقول – اللى معاه قرش يساوى قرش – وهنا زحفت طبقة الحرفيين والشطار الجدد (خليط اللصوص والانتهازيين والمرتشين والبلطجية والمتنمرين بالكل) وتصدرت جحافل هذه الطبقة السرطانية الجديده خشبة المسرح فى مصر على حساب جموع الطبقة الوسطى من المتعلمين والموظفين فى دواليب الدولة وكل مؤسساتها.

 مع هذا التحول كان لا بد أن تنتخب هذه الطبقة بطلها بالدراما والذى يجسد حضورها وبدايات انتشارها الميكروبى فى خلايا وثنايا المجتمع المصري.. هنا ظهر النجم الأطول عمرا فى البطولة السينمائية الأستاذ عادل إمام ليجسد نموذج البطل رغم افتقاره لمقومات البطولة المتعارف عليها فى ذلك الوقت وأبرزها الوسامة والقوة البدنية. الأستاذ عادل إمام بقدراته الفنية الكبيرة استطاع تجسيد شخصية بطل هذه الطبقة وممثلهم بأقوى برلمانات مصر «برلمان الدراما. وكان لا بد أن يكون للطبقة الانفتاحية تمثيل نسائى فى برلمان الدراما، وأصبحت السيده نادية الجندى هى نموذج المرأة التى يرغب الطفيليون الجدد في رؤيتها وهى تخترق صفوف الرجال وتسيطر عليهم تماما كما يحدث معهم فى حياتهم اليومية أمام امرأة بالتركيبة الشكلية الدرامية للفنانة نادية الجندي.

 ومن برلمان إلى برلمان تدخل وجوه جديدة مع كل انهيار جديد لجدران القوة الناعمة المصرية.. نواب فى شعبة الغناء بالبرلمان واكبوا الحقبة «التهبيشية» بدءا من عدوية بمصرية صوته، وصولا إلى شواكيش وخفافيش المهرجانات.. برلمان الدراما فى مصر فى دورته الحالية والممتدة من قرابة عقد من الزمن يشرع بشكل علنى لاستبدال سمو الشخصية الكلاسيكية المصرية بسموم الشخصية الرمضانية الميكروبية.. لقد أصبحت مواصفات «البطل نمبروان» فى السينما لا شيء إلا استنساخ كل اشكال القبح والدم والعنف والإلحاح فى تصديرها للجمهور.

من كوارث برلمانات الدراما المصرية أنها تمثل وتمارس سلطة تشريع القبح فى غياب تام للسلطة التنفيذية صاحبة الحق فى وضع السياسات ومشروعات القوانين أمام البرلمان، والسؤال الحائر الآن هل ما يصدر عن برلمان الدراما ونواب القبح يتم بمباركة ودعم السلطة التنفيذية أم فى غياب هذه السلطة وانسحابها من مسرح الثقافة والهوية الوطنية الحقيقية.. كاذب وجاهل من يدعى أن أعرق الدول الديمقراطية لا تتدخل فى دعم هويتها الوطنية عن طريق كل مؤسسات الثقافة والإعلام والتعليم.. المسألة فى أعرق الديمقراطيات مسألة أمن قومى ومستقبل ووجود.. انفراط عقد الهوية الوطنية واحتقار منظومات القيم والعبث بمفاصل التاريخ كفيل بهدم وتدمير أكبر وأعرق الإمبراطوريات.

مصر حتى الآن مستمرة وجودياً بقوة الدفع التاريخية، واستمرار حالة التآكل الوجودى يهدد قطار التاريخ بالخروج التام عن قصبان الوجود.. أتصور أن هناك قوى إقليمية ودولية يهمها خروج قطار التاريخ المصرى عن القضبان، ولكن المؤلم والمخجل أن هناك بيننا من داخل برلمانات الدراما والتعليم والصحة والثقافة من يقدمون خدمات مجانية لهذه القوى، وبعضها من الممكن أن يكون مدفوع الأجر تحت مسميات خادعة كالجوائز والمهرجانات وشهادات التقدير وبعض سفراء النوايا.. حوادث القطارات فى مصر ليست أكثر من مخاطر صغيره أما الكارثة الكبرى فهى كارثة قطار التاريخ والهوية.