رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاية وطن

 

 

لم يحدث فى الصعيد قيام شاب مهما بلغ به الإجرام بقتل عمه وخطف مرات عمه وإخفائها فى مكان مجهول كما يريد أن يقنعنا مسلسل نسل الأغراب، الذى يردد كل يوم «اتفرج على أبوك وهو يقتل أبوك»!

للأسف المسلسل سقطة درامية لم تراع تقاليد شهر رمضان الكريم، وساقت فى التنمر على أهالى الصعيد، الفن الناعم والإعلام تحولا إلى خنجر مغروس فى قلب الصعيد دون أن يكلف أحد نفسه بالبحث فى الشخصية الصعيدية التى لامست خطوط الحضارة ومسايرة التطور، ونبذت التعصب وتخلت عن الثأر الذى أثر على مناخ الاستثمار فى محافظات الصعيد باعتباره دافعًا لعدم الاستقرار، ونجح العديد من المبادرات التى أطلقها أهل الصعيد من شباب وأجهزة أمنية ورجال دين فى وقف مسلسل الثأر وأصبح ماضيًا لا يريد أحد العودة إليه، وما يحدث حاليًا من مصالحات هو تصفية أجواء قديمة بين عائلات ارتضت أن تتصافح وتتسامح، وتفتح صفحة جديدة ليعود للصعيد كرمه وثقافته وكبرياؤه، ولكن بعض الإعلاميين وكتاب الدراما، مرة يصورون الصعيد على أنه مفرخة للخادمات والتسول والبعض تجرأ على أهل الصعيد ويريد تحديد إقامتهم فى الجنوب، وترحيل من نزح منهم إلى العاصمة حتى ولو كانوا فى مواقع مهمة، ونسى هؤلاء أن الصعايدة هم الذين بنوا مصر القديمة ومصر الجديدة، بعرقهم وانتمائهم.

هل سمع كتّاب الدراما عن سيدة صعيدية فقدت ابنها فى حادث ثأر فكان ذلك دافعًا لأن تطلق مبادرة «صعيد بلا ثأر النسائية» واستطاعت إقناع السيدات بأن الثأر جريمة وليس بطولة، ومن يلجأ له لا يجنى سوى الدمار والخراب، وأسهمت هذه السيدة فى إتمام عدة مصالحات، وعدلت نظام القودة وهو حمل القاتل كفنه وتقديمه إلى أصحاب الثأر، إلى درع للتسامح يحصل عليه أهل القتيل وتقديم الكفن يعتبر موتًا افتراضيًّا على قيد الحياة، يطلب القاتل من خلال حمله وتقديمه لأهل القتيل العفو والصفح ويتعهد بعدم التعرض مجددًا بأى سوء لأبناء العائلة الأخرى.

صحيح أن الصعيد عانى من الثأر، وكان عدد القتلى فى بعض المناطق يفوق عدد حوادث الطرق، لكن أليس من الأولى على الدراما أن تكافئ أهل الصعيد الذين تخلوا عن العنف، وفتحوا صفحة جديدة تتحدث عن صعيد بلا ثأر، بدلاً من اجترار الماضى الذى داواه الزمن، ويريد كتاب الدراما إحياءه من جديد، هل سمع هؤلاء الكتاب الذين حولوا المشاهدة فى رمضان إلى نكد ولطم ودم ومخدرات، وألفاظ خادشة للحياء عن «بيت العائلة» الذى جفف كثيرًا من الأزمات بين أهل الصعيد، وإخماد نار الثأر، واتجه الجميع إلى القانون لحسم النزاعات.

هل يجوز أن يطلق كتاب دراما رمضان العنان لخيالهم الخصب، ليكون نصيب أهل الصعيد من الدراما الرمضانية 4 مسلسلات تتحدث عن العنف والقتل، وكأن الصعيد أصبح بؤرة موبوءة من خلال خيال كتاب مقاولات يكتبون للمشاهدة على حساب القيم والمبادئ وسمعة الناس وكرامتهم.

هل يجوز أن يطلق كاتب العنان لخياله مقابل تلميع زوجته بطلة المسلسل ويسىء إلى أهل الصعيد؟! «جليلة» لا يوجد مثلها فى الصعيد تذهب إلى منزل طليقها، وتتحدى شقيقها العمدة، وتضرب زوجته عندما اعترضت على خروجها ليلًا للقاء طليقها حتى ولو كانت تريد إقناعه بترك البلد لإطفاء نار الثأر! هل ينكر الابن أباه لهذه الدرجة، ويتخلى الأخ عن أخته فى مرضها لمجرد أنها لم تزره فى السجن، ويكيل السباب والشتائم لابنتها بألفاظ لا يجوز أن يسمعها المشاهد؟! الكاتب والمخرج كتب المسلسل لزوجته تصول وتجول فى أعراض أهل الصعيد هى وزوجها وطليقها كما يحلو لهم، غير عابئين بتقاليد أهل الصعيد، وقيمة العمدة الصعيدى الذى حوله المسلسل إلى رجل ضعيف لا يملك مواجهة أخته، ولا الدفاع عن زوجته.

هل غاب عن كتّاب الدراما التى تروج للعنف والإسفاف والبذاءة والتنمر أن المجتمع يتأثر بما يقدمه الفن والدراما من موضوعات مختلفة تسهم فى تغيير العديد من السلوكيات، كما تغرس الدراما الكثير من السلبيات بما تقدمه من موضوعات، الدراما الهادفة تغرس القيم الانسانية النبيلة داخل المجتمع وتدعو للأمل والتفاؤل، غير دراما العنف والبلطجة التى تعيد المجتمع إلى القرون الوسطى، لماذا اختزل كتاب الدراما جهدهم فى تصوير الصعيد على أنه بيئة للثأر والانتقام وترك كل المزايا التى يتمتع بها أهل الصعيد من نخوة وكرم ورجولة وانحياز للوطن، لماذا يتم حصرهم فى مواطنين هاربين من الثأر وجاهزين للانتقام، وعصابات تحوز السلاح وتهيم فى الجبال؟

الصعيد كما غناه «الأبنودى» وكتب عنه الموهوب الراحل محمد صفاء عامر هو الصعيد الطيب الذى قالوا على أهله ديابة وهم يا ناس غلابة، ليسوا غلابة من الغلب وقلة الحيلة، ولكن من الاعتزاز بالنفس والقوة فى الحق، صعيد بلا ميوعة ولا ركاكة أخلاقية، صعيد بلا ثأر فى الحاضر، وصعيد أصبح أكثر تسامحًا وانحيازًا للقيم والقانون، صعيد الكرم الذى يريد أن يحصره تجار المسلسلات فى الدم، ويروج الإعلام الموبوء لأهله بأنهم وحوش كاسرة ومصانع لانتاج أطفال التسول والخدم فى البيوت.

كفاكم إهانة لأهل الصعيد، لا تنبشوا فى الماضى وكأنكم تقولون لهم عودوا أعداء متناحرين، لماذا هذا التسامح الذى نراكم عليه.

الدراما بهذا الشكل أفسدت الفن، عندما تقوم عائلة بالكتابة والاخراج والتمثيل، لتقدم مادة مخصوصة لدراما المقاولات غرضها إهانة خلق الله.