رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

عادة ما تكون المشاريع الفكرية حلقة اتصال بين الثقافة والسياسة، فمعظم المفكرين والفلاسفة تكون لديهم هذه النرجسية الفكرية، فيزعمون بأن لديهم مشروعات فكرية يمكن من خلالها تغيير الواقع وتثويره، ولذلك تتضمن معظم المشاريع الفكرية بُعدًا طوباويًّا حالمًا يقترب ويبتعد عن الواقع بدرجات متفاوتة، وبهذا المعنى قد توجد مئات أو آلاف المشاريع والأفكار الشاردة التى كتبها مفكرون ومثقفون فى معظم أنحاء العالم، لكنها اختفت وتوارت وماتت، ولم نعد نتذكر منها سوى القليل مثل العقد الاجتماعى لجان جاك روسو أو البيان الشيوعى لكارل ماركس، هذا على سبيل المثال فقط لا الحصر. وقد تنبه نجيب محفوظ إلى هذه الظاهرة فى روايته الفلسفية «قلب الليل» فجعفر الراوى يؤلف كتابًا يزعم بأنه يتضمن إجابات عن كافة المشكلات التى تواجه البشرية، وعندما يعرض مشروعه على أحد أصدقائه يواجهه بتفاهة ما يقوله وما يدعيه، فينفعل جعفر ويقتله، وتلك هى مأساة كل من يدعى امتلاك الحقيقة المطلقة.

وإذا اتجهنا صوب المشاريع الفكرية والسياسية التى عرفتها مصر الحديثة، سنجد أن القرن التاسع عشر قد شهد نهضة حضارية وثقافية تزامنت مع تأسيس دولة مصر الحديثة على يد محمد على باشا (1805 – 1848)، والذى شهد عصره الإرهاصات الأولى للتيار الليبرالى المصري، والذى بدأ مع رفاعة الطهطاوى واستمر مع عبدالله النديم وعبدالرحمن الكواكبي، وتواصل مع أحمد لطفى السيد وقاسم أمين وسلامة موسى وطه حسين ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ولويس عوض وآخرين. ويمكن القول إن التيار الليبرالى المتأثر بالفكر الغربى هو المشروع الأكثر حضورًا واستمرارًا فى الواقع الثقافى المصرى حتى هذه اللحظة، وهو التيار الذى خرجت منه كافة التيارات الأخرى اليسارية والقومية والعلمانية. فمثلما كانت جماعة الإخوان التى تأسست فى 22 مارس 1928 هى الجماعة الأم التى من رحمها ولدت كافة التيارات الإرهابية والتكفيرية فى مصر والعالم العربي، فإن التيار الليبرالى هو الأب الذى تنتمى إليه كافة التيارات السياسية الحداثية.

وبهذا الفهم يمكن لنا أن نعتبر انتفاضتى 25 يناير و30 يونيو هما إحدى تجليات هذا التيار المتسع، بالإضافة إلى أن معظم الأحزاب التى تعمل على الساحة السياسية الآن وفى مقدمتها حزب الوفد تنسب لهذا التيار.

وقد انبثقت الحركة اليسارية بفصائلها الاشتراكية والشيوعية من داخل هذا التيار، إذ ولدت هذه الحركة مع تأسيس سلامة موسى للحزب الاشتراكى المصرى عام 1921 وكان الحزب فى بدايته أقرب إلى الاشتراكية الفابية أو الاشتراكية الديموقراطية، ولكن فى عام 1924 اكتسب الحزب طابعًا ماركسيًّا راديكاليًّا، وقد بلغ عدد أعضاء الحزب فى تلك المرحلة ما يقرب من الألف وخمسمائة، وامتدت فروعه إلى المدن والمناطق الريفية فى مختلف ربوع الدلتا مثل سمنود والمحلة الكبرى والزقازيق وشبين الكوم وطنطا.

وقد مر الحزب بتحولات كثيرة لا يتسع المقام هنا لرصدها، ولكن ما يعنينا فى هذا المقام أن الحركة ضمت عددًا كبيرًا من المثقفين والمنظرين الذين شكلوا المزاج الثقافى والسياسى فى مصر فى مرحلة ما قبل وما بعد ثورة يوليو، ويكفى أن نذكر أن من بين كوادر هذه الحركة الدكتور فؤاد مرسي، والدكتور إسماعيل صبرى عبدالله، وإسماعيل المهدوى (الذى أودع مستشفى الأمراض العقلية خلال عهد عبدالناصر والسادات) ومحمود أمين العالم والدكتور فؤاد زكريا وإبراهيم فتحى وأحمد حمروش وخالد محيى الدين، فضلًا عن عدد كبير من الكتّاب والصحفيين والفنانين خاصة من رواد الحركة السوريالية من أمثال جورج حنين وأنور كامل وألبير قصيرى ورمسيس يونان.

المهم أن هذا التيار قد نجح فى خلق حالة جديدة من التنوير مما ساعد على اتساع آفاق التحرر بكافة أبعاده السياسية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية. وقد شارك عدد لا يستهان به من رموز الحركة اليسارية الشيوعية فى ثورة 23 يوليو، ومن هؤلاء: يوسف صديق وخالد محيى الدين وأحمد حمروش ويقدر عدد الضباط الشيوعيين الذين انضموا لمنظمة الضباط الأحرار بحوالى 25% من مجموع أعضاء المنظمة بحسب ما يذكر د. رفعت السعيد فى كتابه عن الحركة الشيوعية فى مصر عبر سبعين عامًا. رغم ذلك أصدرت قيادة الثورة فى يناير 1953 قرارًا بحل الأحزاب وإلغاء الدستور وفتحت المعتقلات أبوابها، وطالت حملات الاعتقال كوادر وأحزاب منظمة «حدتو» المنظمة الناطقة باسم الحزب الشيوعى المصري. وفى 14 مارس عام 1965 تتخذ قيادة الحزب الشيوعى المصرى قرارًا بحل الحزب، وتكليف أعضائه بالانضمام للاتحاد الاشتراكى العربي. ورغم إعادة تأسيس الحزب مرة أخرى عام 1975 إلا أن فاعلية الحزب الفكرية والجماهيرية قد انحسرت فى عدد قليل من الرموز السياسية والفكرية، ولم تعد مؤثرة فى مجريات الأحداث الراهنة.

وللحديث بقية ...