رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

رؤى

قبل كتابة هذه المقال بحثت عن مذكرات مؤسس دار الهلال الكاتب جورجى زيدان، وللأسف لم أعثر سوى على سيرة ذاتية مختصرة كتبها فى مقال نشره بمجلة الهلال ترجع إلى سنة 1925، حكى فيها عن طفولته، ولأهمية هذه المقال أنشر بعض فقرات منها:

«نشأت فى صباى وأنا أرى ولدى يخرج إلى دكانه من الفجر ولا يعود إلا نحو نصف الليل أو قبيلة وأرى والدتى لا تهدأ لحظة من الصباح إلى المساء لا تعرف الزيارات ولا الاحتفالات ولا المجتمعات حتى الدينية فإنها لم تكن تذهب للصلاة فى الكنيسة إلا نادرًا وإنما همها تدبير بيتها وتربية أولادها، شببت على ذلك وألفته ففرس فى ذهنى أن الإنسان خلق ليشتغل وأن الجلوس بلا عمل عيب كبير.

وكان والدى أميًا لكنه شعر بالحاجة إلى الكتابة والقراءة لما فتح دكانه من زبائنه من يحاسب شهريًا أو أسبوعيًا فكثرت عنده الحسابات الجارية وكان فى بادئ الرأى يقيد ذلك بيده أرقامًا تعلمها ويترك اسم المدين، فجرته حاجته إلى الكتابة أن يبدأ تعليمى القراءة باكرًا، فأرسلنى إلى المدرسة وأنا فى الخامسة من عمرى عند معلم اسمه إلياس (أو جرجس) شقيق قسيس عائلتنا الخورى موسى. وكان العلم إلى ذلك الحين محصورًا فى رجال الكهنة أو من ينتمى إليهم، ولا يتبادر إلى الأذهان أن المعلم إلياس كان فيلسوفًا، فإنه لا يكاد يحسن القراءة فى الإنجيل، وكانت مدرسته عبارة عن قبو واسع فى بناية ليعقوب ثابت بجوار مدرسة اليسوعيين، الآن (سنة 1925) صار هذا القبو فرنًا بعد ذلك فكان أشبه بالزريبة منه بالمدرسة، يجتمع فيه أبناء أهل الحى من سن الرابعة إلى العاشرة ذكورًا وإناثًا يجلسون على حصير أو حصر بسطها فى أرض القبو، ويجلس هو فى صدر «القاعة» على طراحة، وبين يديه صندوق صغير (بشتخته) يضع عليه كتابه وأدواته وأقلامه، وجمع إلى يمينه عدة قضبان تختلف طولًا ودقة يستخدم كلًا منها فى محله حسب الولد وجنسه وبعده منه أو قربه. واذكر أنى كنت أتعلم عنده القراءة فى المزامير، وهو أول كتب القراءة يومئذ بعد الهجاء، فكنا نحفظ المزمور من كثرة تكرار قراءته ونحن لا نفهمه.

ولم يكن ذلك ليكفى مطمع والدى من تعليمى لأنى لم أتعلم الكتابة والحساب بعد فلا أقدر أن أقيد اسمًا وأضع بجانبه ما يطلب منه. فنقلنى من تلك المدرسة العامرة إلى مدرسة كانت قد فتحت حديثًا فى بيروت تعرف بمدرسة الشوام، نسبة إلى أهل الشام، لأن الذين قاموا بإنشائها جماعة من أدباء دمشق نزحوا منها إلى بيروت على إثر المذابح التى حدثت سنة 1860 وفى هذه المدرسة أخذت بعض مبادئ الحساب والنحو وابتدأت أفهم وفتحت عيني. وكان لأساتذتها عناية كبيرة بالتعليم واشتهرت بالتربية على الخصوص لصرامة قوانينها».

[email protected]