رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

من الرائع إعطاء جزء من وقتك فى رمضان لكتاب المؤرخة «أن نيلين دى ديجن» الجديد الطموح والمثير للإعجاب، «الحرية.. تاريخ جامح»، المتناول لتفسيرين متضاربين للحرية وتفاعلاتهما على مدى 2500 عام من التاريخ الغربى قبل وبعد الميلاد. حيث بدأت دراستها بالإشارة إلى أن معظم الناس يفكرون فى الحرية باعتبارها مسألة حريات فردية، وعلى وجه الخصوص، الحماية من تدخلات الحكومة الكبيرة والدولة. وهى الرؤية التى تحرك الأيديولوجيين المحافظين فى جميع أنحاء الغرب. والمؤلفة تؤكد أن هذا ليس المفهوم الوحيد للحرية، وأنه مفهوم حديث نسبياً؛ فعلى مدى فترة طويلة من تاريخ البشرية كان الناس يعتقدون أن الحرية لا تعنى حماية الحقوق الفردية، ولكن باعتبارها ضماناً للحكم الذاتى والمعاملة العادلة للجميع. باختصار، لقد ساووا بين الحرية والديمقراطية، فكتبت تقول: «لقرون، حدد المفكرون والفاعلون السياسيون الغربيون الحرية ليس بتركها الدولة بمفردها ولكن بممارسة السيطرة على الطريقة التى يحكم بها المرء». وهكذا لم تكن الحرية فى صيغتها الكلاسيكية فردية بل جماعية. وبذلك لم تقتض الحرية الهروب من حكم الحكومة بل جعلها ديمقراطية.

ومن خلال انفتاح الحرية على معانيها المتعددة تستكشف دى ديجن تاريخاً بديلاً للمفهوم من العالم القديم إلى عصر الثورة إلى الحرب الباردة، وترسم تلك اللحظات التى ظهرت فيها مفاهيم جديدة للحرية- مثل التحرر من إشراف الحكومة أو القمع- انحرفت عن تعريفها الأكثر كلاسيكية وطويلة الأمد كحكم ذاتى. وهكذا تظهر المؤرخة كيف أدى صعود الحداثة إلى انتصار فكرة جديدة عن الحرية. وفى الوقت نفسه، يدعونا كتابها إلى النظر فى علاقة شراكة بين هذين المفهومين للحرية. بالنسبة إلى ديجن، تعمل هذه العلاقة كمعارضة أساسية، ولكن يمكن للمرء أيضاً أن يجد فى تاريخها نقاطاً مشتركة كافية بينهما لإدراك أن الحرية الفردية تتطلب أيضاً الحرية الجماعية. وبالنسبة للكثيرين، لا يمكن للمرء أن يكون حراً حقاً إذا لم يكن المجتمع أو الأمة كذلك؛ يجب أن تنتمى الحرية إلى الجميع.

وتقسم الكتاب إلى ثلاثة أجزاء متساوية تقريباً. فى الأول، تتتبع صعود فكرة الحرية فى العالم القديم، مع التركيز على دول المدن اليونانية والجمهورية الرومانية؛ فى الثانية تبحث فى إحياء هذه الفكرة فى عصر النهضة وعصر الثورة. وفى الثالث، تنظر فى التحديات الليبرتارية للمفهوم الكلاسيكى للحرية وظهور مفهوم جديد يركز فى المقام الأول على الحقوق الفردية. بالنسبة لمعظم هذا التاريخ الطويل، تؤكد دى ديجن ملاحظة أن الفكرة الكلاسيكية للحرية باعتبارها التمكين الديمقراطى سادت. وتؤكد أن نقطة التحول جاءت مع رد الفعل ضد الحركات الثورية فى أواخر القرن الثامن عشر فى أمريكا الشمالية وفرنسا وأماكن أخرى. إن المفكرين المحافظين مثل إدموند بورك فى بريطانيا، والليبراليين مثل بنيامين كونستانت فى فرنسا لم يرفضوا فقط أيديولوجية العصر الثورية؛ كما طوروا مفهوماً جديداً للحرية ينظر إلى الدولة على أنها عدو لها وليس كأداة لانتصارها. فى نهاية المطاف، فى العصر الحديث، أصبح هذا المفهوم المضاد للثورة للحرية هو المسيطر، وهكذا يتألف قلب الحرية من استكشاف متعمق لكيفية دحض مطالب الديمقراطية للفكرة الأصلية للحرية فى مواجهة الثورات الديمقراطية فى أواخر القرن الثامن عشر، حيث أعيد صياغة هذا المفهوم مرة أخرى. وتستخدم المؤرخة نهج التاريخ الفكرى لإخبار قصتها، مع التركيز فى تحليلها حول سلسلة من النصوص التأسيسية لكتاب ومفكرين مشهورين وغامضين على حد سواء، بدءاً من العلماء الكلاسيكيين مثل أفلاطون وشيشرون وحتى بترارك ونيكولو مكيافيلى إلى جان جاك روسو وبورك وجون ستيوارت ميل وبرلين. إنها تنسج بمهارة هذا التحليل النصى مع تدفق الأحداث التاريخية، موضحة بوضوح العلاقة بين نظرية الحرية وممارستها وتذكرنا بأنه لا يوجد مفهوم محصن من التغيير بمرور الوقت.بالنسبة لها، تبدأ قصة الحرية بدولة المدينة اليونانية، التى لم تحدد فقط مكان ولادة الديمقراطية ولكن أيضاً أصل المفهوم الديمقراطى للحرية- المثل الأعلى لدولة المدينة ذاتية الحكم. وتشير إلى أن جزءاً كبيراً من أصالة المفكرين اليونانيين لم يكن مجرد مقارنة حريتهم بالعبودية (تحديداً عبودية الإمبراطورية الفارسية) ولكن أيضاً لإعادة تصور الحرية على أنها تحرر من العبودية السياسية بدلاً من العبودية الشخصية. بحلول عام 500 قبل الميلاد، بدأ العديد من دول المدن اليونانية، ولا سيما أثينا، فى تطوير أنظمة ديمقراطية للحكم الذاتى يشارك فيها جميع المواطنين الذكور فى صنع القرار من خلال الجمعيات العامة. وتشير المؤلفة إلى أن الأفكار اليونانية القديمة عن الحرية تطورت فى هذا السياق، مؤكدة أن الحرية جاءت مع قدرة الناس على حكم أنفسهم كرجال أحرار. مشيرة إلى استخدمها عبارة «الرجال الأحرار» بشكل متعمد؛ لأن النساء، والمستعبدين بالطبع لا يحق لهم المشاركة فى الحكم الذاتى الديمقراطى. وهذا التناقض يعزز فى الواقع نقطة ديجن العامة: أن المشاركة فى الديمقراطية كانت جوهر الحرية فى العالم القديم.