رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الناصية

شهر رمضان فى الصعيد مختلف تمامًا عن رمضان القاهرة وبحرى فى كل مدن وقرى الدلتا، وهو تقريبًا مثل اختلاف شهر رمضان فى مصر عن بقية بلاد المسلمين، العربية وغير العربية.. وإذا كان غير المصريين يعرفون أن رمضان فى مصر.. هو مصرى خالص، فإن الكثير من المصريين لا يعرفون أن رمضان فى الصعيد.. هو صعيدى خالص!

رمضان فى الصعيد.. مختلف باختلاف الجغرافيا والمناخ.. حيث إن الوادى يضيق جدًا هناك، وتحديدًا فى محافظة قنا، وفيها تقل مساحة الأراضى الزراعية وتزيد الأراضى الصحراوية، إلى درجة أن بعض القرى فى الصعيد تعيش على جرف حاد بين الجبل والنيل، وبينهم شريط يقاس بالأمتار من الأراضى الزراعية.. يضاف إلى ذلك أنهم يعيشون فى مناخ قارى معروف بأنه حار جدًا فى الصيف، وشديد البرودة فى الشتاء وخصوصًا فى الليل.. وجاف بلا أمطار طوال السنة.. لتجعل الحياة فى معظم مناطق الصعيد صعبة جدًا.. فما بالكم فى شهر رمضان!

وفى مثل هذه البيئة القاسية من الجغرافيا والمناخ.. يعيش سكان هذه المناطق، فى الغالب، حياة فقيرة، ولذلك يهاجر ناسها أولًا بأول منها طلبًا للرزق بعيدًا عن معيشة ضيقة لضيق مساحة الأرض، ولأن نوعية الزراعات المتاحة فى هذا المناخ القاسى.. عبارة عن الذرة، اليانسون، الكمون، الشطة، البامية.. والعدس والفول والقليل من القمح.. وإذا زادت مساحات الأراضى فى بعض المناطق يتم زراعة القصب.. ويلاحظ أن نوعية هذه الزراعات كلها تحتاج إلى شمس حامية مثل النار لأن محصولها لا يتم حصاده إلا وهو جاف جدا.. محروق تقريبًا!

وملوخية الصعيد مشهورة بحلاوة طعمها وخصوصًا الناشفة.. لأنها منزرعة بين أعواد قصب السكر، وعلى حواف غيطانه.. ولكن يبقى أن أشهر أطباق الصعيد من هذه الملوخية هو طبق «الشلولو» وهو عبارة عن ملوخية ناشفة فى ماء بارد بالثوم والليمون والشطة.. تصوروا لو أن الفطار فى رمضان كان شلولو.. لأنه ببساطة بارد يناسب حرارة الجو، وكذلك يناسب الحياة الفقيرة حيث لا يكلف شيئًا حتى يمكن للأمهات أن تستلف كل مكوناته من جيرانها..!

ولذلك فإن مائدة الإفطار فى رمضان بالصعيد.. مكوناتها محدودة، بمحدودية المحاصيل والجو.. فإذا جاء شهر رمضان فى الشتاء، فان أطباق المائدة لا تزيد على طبقين.. بطاطس أو بامية بالصلصة « الدمعة».. وإذا جاء فى الصيف، وغالبًا يكون كذلك فى معظم السنوات، تتكون مائدته من طبقين لا أكثر من الملوخية الخضراء أو الناشفة، أو بامية بيضاء « الويكة» أو الناشفة كذلك.. وشوية بلح مبلولين فى مياه باردة وكان الله بالسر عليم!

ورمضان فى الصعيد لا يعرف البشاميل ولا البوفتيك ولا النجرسكو.. ولا يعرف الاستيك، أو البانيه ولا محشى الخرشوف.. ويكاد يكون الطبق الرئيسى فى رمضان الصعيد هو العيش الشمسى.. لأنه مهما كان الطعام قليلًا أو كثيرًا، لذيذًا أو غير ذلك فإن الإحساس بالشبع من أى نوع من المأكولات فى الصعيد لن يكون إلا بتناول هذا الرغيف الأسطورة فى حياة الصعيدى.. من أيام الفراعنة وحتى الآن.. ولا غرابة أنه يعتبر فعلا من أهم أساطير القدماء المصريين.. ولهذا العيش قصة أخرى فى حكايات رمضان الصعيدي!

[email protected]