رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

رجل غريب يأتى إلى قرية نائية، ومعه حقيبة مليئة بالنقود، ووصية بأن هذه النقود لامرأة أقام معها علاقة منذ زمن، أسفرت عن طفل، وهذه النقود لها ولطفلها، يموت الرجل بعد فترة قصيرة من وصوله، وبالتالى لا نعرف مَن هى المرأة، صديقة الرجل، التى تستحق وابنها هذه الثروة. القرية الهادئة تنقلب إلى جحيم، وكل زوج يحاول اكتشاف زوجته من جديد، ربما تكون هى صاحبة التاريخ الضال، إلا أن البعض يجبر زوجته بأن تدّعى بأنها المقصودة، حتى يحصلا على النقود، إضافة إلى جرائم قتل الرجال لزوجاتهم، واتهام الجميع بهذه الفِعلة، لتبدأ سلسلة الفضائح فى الانكشاف، ويظهر الوجه الحقيقى لكل مدّعى الفضيلة. وفى الأخير تبدو المفاجأة.

إن الزائر الغامض جاء القرية بالخطأ، ولم تكن هى المقصودة! هذا الانكشاف المروع للأخلاق والضمائر هو ما قدمته مسرحية «مهاجر بريسبان» للشاعر والكاتب اللبنانى جورج شحادة (1905- 1989) وهى من أروع ما أبدع شحادة.. أتصور أننا فى مصر والمنطقة العربية نعيش مكان وأحداث هذه المسرحية.. كلنا أبطال وهميون نخوض معارك عبثية إلى أن تأتى كلًّا منا فرصة الهرب من الدور بحثًا عن فرصة السقوط فى دور جديد.. كل الأبطال شرفاء إلى أن تأتيهم فرصة احتقار الشرف والقفز من المركب.. يتعاقب علينا أحيانا كل يوم «مهاجر بريسبان» جديد يلهينا بوصيته وبالمرأة التى حملت منه والثروة الغامضة التى ينتظرها صاحب أو صاحبة الحظ السعيد.

 وبين حكاية مهاجر وآخر يتلهى الناس عن أحوالهم وأهوالهم ومآسى قريتهم بحكايات المال والنساء والشرف المزعوم.. يموت الزرع فى حقول القرية، وتجف المياه، وتتحول المدارس لكتاتيب، ويفسد الوعاظ والخفراء.. يحدث كل ما يحدث والناس مشغولون بحكايات المال وغواية النساء وحور عين الدنيا والآخرة.. مهاجر بريسبان فى زمن مضى ظهر مرة واحدة لأهل القرية المنكوبة برجالها، وفى زماننا يأتينا كل يوم مهاجر بحكاية بلهاء، لكن الغريب أن جموع أهل قريتنا يتلقفون أى حكاية جديدة ويعيدون عجنها وخبزها ومضغها وبلعها واستفراغها على رصيف زمنهم الضائع..

مهاجر بريسبان كان يأتى القرية ممتطيًا حماره، أما مهاجر زمننا فإنه يظهر فى برامج المساء بالفضائيات ويغرد على الفيسبوك، ويكتب بالصحف السيارة، ولا تعرف هل هو بطل أم خائن.. هل هو وطنى أم تاجر وطنية.. هل هو غني بالوراثة أم غني حرب أم غني سلام.

وعلى ما يبدو فإن غيبوبة المسرح فى مصر المعاصرة تطور طبيعى يتسق مع موت الحياة خارج المسرح، وأن أحدا لم يلتفت لعمل عالمى المعانى والرسالة مثل «مهاجر بريسبان» لجورج شحادة لأن الواقع من حولنا أكثر واقعية من مسرحية «جورج شحادة.. التاريخ الأسود لشخصيات الواقع أبشع ألف مرة من تاريخ شخصيات «مهاجر بريسبان».