رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

 

مات الأمير فيليب زوج الملكة إليزابيث، مؤخرا عن عمر 99 عاما. عاش الرجل طويلا كشجرة صنوبر. وكم من بشر عاشوا كثيرا، ولم يحيوا، بينما رحل آخرون صغارا بعد أن عاشوا عملا وقولا وفكرا!

ليس المهم أن تموت فى التسعين، لكن المهم ما تفعله فى عمرك أيا ما كان. ما تنتجه، وما تُنجزه، وما تتعلمه، وما تُعلمه للآخرين. ما تتركه لغيرك من ذكر، فكر، علم، تقدير مُجتمعى، وخير ممتد.

إن الحياة الرتيبة، التقليدية، المعتادة، المتكررة، تمر على أصحابها كبضع ساعات. أما الحياة المتجددة، المتغيرة، متعددة المعارف والعلوم والمواقف، فتشعر صاحبها بأنه عاش طويلا طويلا. وليس أدل على ذلك من أن الشاعر التشيلى العظيم بابلو نيرودا عاش سبع وستين عاما وهو عمر قريب من متوسط الإنسان فى بلده لكنه كتب مذكراته معنونا إياها بـ» أشهد أنى عشت». كذلك فإن الفنان الكبير يوسف وهبى سمى سيرته «عشت ألف عام» رغم أن عمره امتد أربعة وثمانين عاما فقط.

وثمة مَن رحلوا فى ريعان شبابهم، لكنهم ملأوا الدنيا ومازالوا بجمالهم وإبداعهم وسحرهم مثل الشاعر فريدريكو غارثيا لوركا الذى أعدم وعمره ثمانى وثلاثين عاما، أو اللورد بايرون 36 عاما، وإلكسندر بوشكين 38 عاما، ومايكوفسكى 35 عاما، وأبى فراس الحمدانى 37 عاما، وطرفه بن العبد24 عاما.

 لذا فإن شاعر المهجر فخرى رطروط يقول فى إحدى قصائده « مت باكرا إن كنت حقيقيا».

والعمر الطويل بلا شك نعمة عظيمة من صاحب النعم، لكنها تكتمل بحسن توظيفها لما فيه ازدياد للبهجة وتعظيم لنفع الناس القادمين من بعد. وحسبنا أن ننظر لعمر نجيب محفوظ، والذى يمتد بأعمار قرائه الذين لا ينتهون ولا ينسحبون، فما يصنعه من مُتعة يجعل حياته قائمة حتى بعد رحيله جسديا. لقد ظهر الرجل فى لقاء مسجل قبيل وفاته وكان مستكثرا بلوغه الثالثة والتسعين، وسأله يوسف القعيد عن شعوره، فقال « كده كفاية» لأنه يُدرك أن عمره الجسدى لا شيء إذا مما قورن بعمره الفنى.

وأتذكر أن أكبر مَن التقيتهم سنا  خلال شغلى كان المرحوم أمين فخرى عبد النور، وكان يحتفل بعيد ميلاده المئة، وكان راضيا ومبتهجا ومقبلا على الحياة، وحكى لى وقتها حكايات ومشاهد يتذكرها منذ طفولته وهو فى السادسة والسابعة من عمره. وسألته عن النصيحة التى تكفل لصاحبها حياة طويلة راضية فنصح بثلاثة أمور: ألا تغضب، وأن تأكل بحساب، وأن توزع المحبة على الجميع.

لكن ثمة مَن يضيق بعمره، ربما لابتلاء أو وحدة أو ملل، أو سعيا للقاء غائب. أتذكر الشاعر العربى لبيد بن ربيعة الذى عمّر مئة عاما وهو يقول «ولقد سئمت من الحياة وطولها / وسؤال هذا الناس كيف لبيدُ». وهذا زهير بن ابى سلمى يكتب لنا « سئمت تكاليف الحياة ومَن يعش / ثمانين حولا لا أبا لك يسأمِ».

 وفى العصر الحديث يجابه الشاعر أمل دنقل غول السرطان ويكابد آلامه، فيكتب مفضلا لقاء أصدقائه الغائبين ويقول بعد استعراض سريع لوجوه أحباء اختطفهم الموت بدءا من شقيقته الصغرى، وحتى صديق عمره الأديب يحيى الطاهر عبد الله « فالجنوبى يا سيدي/ يشتهى أن يكون الذى لم يكنه/ يشتهى أن يلاقى اثنتين: الحقيقة والأوجه الغائبة».

والله أعلم.

 

[email protected]