عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

 

 

على خلاف ما اعتدت عليه، لم يعد فصل الربيع مقبلا بنور بهجته ووروده، بل بات مرتبطا بذكرى تؤلم القلب وتدمع العين وتجدد الحزن على فراق أبى الحبيب الفقيد الراحل الدكتور مصطفى لبيب عبدالغنى الذى وافته المنية فى الثامن والعشرين من شهر مارس عام 2016 بعد صراع طويل مع المرض اللعين. وعزائى الوحيد أن أبى - رحمة الله عليه - فارق دنيانا بجسده ليسبقنا إلى عالم الخلود، بينما ترك لى ميراثا ضخما من الفكر والعلم والثقافة والفلسفة والإبداع، ترك لنا ثروة طائلة من الأخلاق الحميدة والسيرة العطرة والأصدقاء العظماء والتلاميذ والمحبين الذين يغمروننى دائما بفيض مشاعرهم منذ رحيله حتى اليوم.

ورغم مرور 5 سنوات على رحيل أبى، إلا أننى مازلت عاجزة عن وصف ما تركه هذا الفراق فى نفسى، وحياتى، وكأننى فى سكرات الصدمة حتى اليوم، ولكن ما أتذكره جيدا هو ذلك الرجل العظيم الذى كان وسيظل نموذجا يصعب أن يقاس عليه كل رجال العالم.

كان أبى رجلا مصريا أصيلا من نبت هذه الأرض الطيبة، خرج من صعيد مصر باحثا عن العلم فى شتى أنحاء العالم حتى صار أحد أبرز أساتذة الفلسفة الإسلامية وتاريخ العلوم فى الوطن العربى. لم يكن يعرف للاستسهال طريقا، فخاض الطريق الصعب وسخر حياته دفاعا عن قضية يؤمن بها وهى «أن تقدم البلاد يأتى عن طريق العلم».

سار أبى فى درب العظماء، ونهل من نهل الأنبياء، وغاص فى بحر كبار الفلاسفة فكتب عن صورة الكون عند الإمام على بن أبى طالب ومنهج البحث عند جابر بن حيان وفلسفة ابن رشد وأبى بكر الرازى وابن خلدون ورفاعة الطهطاوى، وامتد بثقافته وفكره للفلاسفة الأجانب، فترجم العديد من الأعمال الفلسفية وتعرض لأعمال أخرى بالنقد والتحليل، وكان من أول الشخصيات التى حصلت على جائزة رفاعة الطهطاوى التى منحها المركز القومى للترجمة عام 2010 لأفضل ترجمة عن لغة أصلية إلى اللغة العربية عن ترجمته لكتاب «فلسفة المتكلمين».

وغم العلوم العظيمة التى درسها أبى وحرص على تدريسها وتدوينها من أكثر من 70 كتابا ومئات الدراسات والأبحاث والمقالات، إلا أن أهم الدروس التى تعلمتها على يديه هو حب الوطن. لقد كان عاشقا لتراب هذا الوطن ومؤمنا بقدسيته وبقوة أبنائه المحفوظين بقدرة إلهية جعلت هذا الوطن مقبرة لكل من يحاول المساس بأمنه واستقرار شعبه.

تعلمت من أبى الإخلاص، فكانت أبرز سماته الإخلاص فى كل عمل يقوم به، كما كان عميق الفكر، غزير المعرفة، مقتصدا فى فرحه، ومعتدلا فى الحزن، يرتفع عن الصغائر، زاهدا فى كل ما يتصارع عليه الآخرون، كريما بكل ما تحمل الكلمة من معنى، بشوشا ذا ابتسامة ساحرة، متواضعا ومحبا للحياة وللإنسانية ولا ينطق لسانه إلا بالصدق، كما كان حقا سند لمن لا سند له، ويظل دائما حاضرا فى وعى ما حييت.

ورغم أن حياته وهبها للعلم، إلا أننى أتذكر جيدا عند عودته مساء إلى المنزل كانت دائما مسئوليته إعداد وجبة العشاء حتى فى أصعب أوقات التعب، حيث كان يعتبرها وجبة الحب التى يقدمها لأسرته لنجتمع نحن الخمسة أمى وأبى وأخوتى على العشاء كل ليلة.

لقد مات أبى..

مات بعد أن جسد أسمى معانى الإنسانية. لقد مات أبى لأفتقد هدوءه ووداعته وابتسامته وحنينه وحكمته.

مات أبى وترك فى قلبى جرحا لا يندمل، ودمعة لا تجف وحياة لا تكتمل. مات أبى ومعه مات الكثير من الإحساس بالحياة، ولا عزاء لى إلا ما تركه من تراث حافل بالعطاء الإنسانى العظيم أستند عليه كلما أجهدتنى الحياة بدونه، فهو حقا باق بما تركه لنا من تاريخ مشرف ومسيرة حافلة بالإنجازات.