رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

يصف الكاتب الفرنسى «أوليفييه روا» فى كتابه «الجهل المقدس»: زمن دين بلا ثقافة، بأن الجهل المقدس هو الاعتقاد بأن الإنسان يستطيع أن ينعم بالخلاص– بالمعنى المسيحى– دون الحاجة إلى المعرفة الوضعية أو الدنيوية. ومن الواضح أن كتاب «روا» ينصب بالأساس على الديانة المسيحية، ونادرًا ما يتطرق إلى الديانة الإسلامية، ورغم وعينا بالمشترك العقائدى للديانات الإبراهيمية الثلاث، فإننا لا يمكن أن نتجاهل خصوصية الديانة الإسلامية وتميزها عن الديانتين الآخريين، خاصة فيما يتصل بسلطوية النص المقدس، فالنص المقدس فى اليهودية والمسيحية لا يستحوذ على هذه الهالة من القداسة التى نجدها فى الإسلام، إذ لا تتوقف هذه القداسة فى الإسلام عند حدود النص المؤسس أو القرآن الكريم، ولكنها تمتد إلى المرويات وأقوال السلف الصالح والفقهاء، بل وفتاوى الشيوخ المعاصرين، مما يجعل التعامل مع التراث الدينى أمرًا محفوفًا بالمخاوف والمخاطر والمحاذير. وبناءً على ذلك فإن ظاهرة الجهل المقدس تتخذ فى ثقافتنا المعاصرة أبعادًا أخطر بكثير مما تصوره أوليفييه روا فى كتابه السابق. إن الجهل المقدس فى ثقافتنا يتجسد فى بُعدين: الأول هو التعامل مع النص الدينى لا بوصفه نصًّا أخلاقيًّا يخص تنظيم وضبط السلوك البشرى، ولكن بوصفه نصًّا كاملًا وتامًّا وإعجازيًّا وكافيًا وشاملًا يحوى إجابات جاهزة عن كافة الأسئلة الكونية والإنسانية والعلمية والحياتية، وعن كافة الأسئلة الماضية والحاضرة والغائبة.

البُعد الثانى للجهل المقدس هو إسباغ القداسة على الجهالة، بمعنى أن شخصًا ما قد يكون جاهلًا وأميًّا وغبيًّا، ومع ذلك تجده يتجاسر على مهاجمة العلم وتسفيه العقل وادعاء المعرفة استنادًا إلى مقولات مشوشة أو مشوهة تنامت إلى سمعه عبر أحد الشيوخ المودرن أو من خلال منشورات السوشيال ميديا التى يتم تداولها بين العوام والمهمشين، ولأن ثقافة العوام والسوقة قد زحفت– كما أشرنا فى مقالاتنا السابقة– على ثقافة ممن نسميهم ظلمًا بالنخبة المثقفة، لذلك أصبح هذا النمط الغوغائي: نمط الجاهل المقدس، هو النمط السائد تقريبًا فى معظم السجالات الفكرية والثقافية سواء فى العالم الافتراضى أو الواقعى.

تجد هذا النمط يعترض طريق فكرك شاهرًا فى وجهك سيف التكفير والانحراف عن إجماع الأمة، ولا مانع لديه من استخدام بعض النصوص الدينية التى يوظفها فى خدمة مقولاته الفاسدة والمغرضة!

أظن أن هذا ما حدث مع واقعة موت د. نوال السعداوى، التى لم يقرأ لها معظم من هاجموها ولعنوها حرفًا واحدًا من كتاباتها. لقد عرفوها فقط من خلال مناظراتها وحواراتها التليفزيونية، ومن خلال بعض الآراء والمنشورات المتداولة على السوشيال ميديا!

ومن الملاحظات الجديرة بالتدوين أن د. نوال أضحت فى موتها أكثر قوة وحضورًا من حياتها، وهذا يؤكد أن الأفكار لا تموت، خاصة إذا كانت هذه الأفكار أفكارًا تحرض على الحرية وعلى التمرد وعلى كسر القيود، وخطورة فكر نوال السعداوى تكمن فى أنها كانت تكتب بطريقة غير أكاديمية تناسب كافة المستويات الثقافية فى مصر والعالم العربى، فضلًا عن كونها روائية والأهم من ذلك أنها قد عرفت منذ البداية إلى أين تصوب رصاصاتها، فلم تكن كاتبة بلا قضية، ولكنها بحسب «جان بول سارتر» كاتبة ملتزمة بالدفاع عن حرية الإنسان.

إن هذا الهجوم الضارى الذى مُنيت به السيدة نوال السعداوى لم يكن مستغربًا من معشر الرجال، ولم يكن مدهشًا أن ينزل بها السلفيون والمتدينون لعناتهم ودعواتهم ويرفضون حتى مجرد الدعاء لها بالرحمة. كل هذا وغيره كان متوقعًا من جموع مُسيسة دينيًّا ومقهورة نفسيًّا ولكن الشيء الذى راعنى وكان مستغربًا هو أن معظم الذين هاجموا السيدة كانوا من النساء اللاتى سُجنت ولُعنت دفاعًا عنهن!

تُرى هل استمرأت المرأة المصرية القهر إلى هذا الحد؟ هل استبطن القمع أعماق النساء إلى أن أصبح بنية عقلية ونفسية وجسدية تعيد إنتاج نفسها حتى فى الأجيال الشابة الجديدة من طلاب المدارس والجامعات؟

إن دعوة د. نوال السعداوى لتحرير المرأة ليست ترفًا فكريًّا ولم تكن أمرًا هامشيًّا، وإنما هى ضرورة حضارية وثقافية تقتضيها نهضة الإنسان المصرى، فلا يمكن للرجل أن يتحرر من أوهامه وقيوده وأصفاده دون أن تتحرر المرأة. العبيد ليسوا هم فقط الذين يعشقون عبوديتهم. العبيد هم هؤلاء الذين يرتضون ويرحبون بعبودية الآخرين.