عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوراق مسافرة

أسمعنى كلمات العالم فى الحب، وأهدِها إلىّ مسجلة على أسطوانات، لحنها، كدسها، وزعها، اجعلها أغنيات للأطفال ولمشاهير الطرب والكورال، قل لى انى فيروزتك وجنتك فى الأرض، ومقابل هذا لا تهتم بى، بتفاصيلى، بما يسعدنى أو يرضينى، بما احتاج إليه، لا تهتم إن كنت جوعانة أو مريضة، إن كنت آمنة أو مهددة، فأنت تعتقد أن كلماتك فى الحب تكفى، وتوفى، وتغنينى عن اهتمامك بحالى واحتياجاتى فى الحياة، وانك بهذه الكلمات البلهاء ستملكنى...للأسف لا، الاهتمام اقوى من كلمات الحب، بالاهتمام تملكنى ولا تفقدنى، تسوس امرى فلا أتمرد عليك غضبا، أدين لك بالولاء فلا أنبذك وأفرُّ لغيرك.

إنها ليست كلمات امرأة لرجل، بل كلمات صرخت بها أرض الفيروز.. سيناء الحبيبة على مدى عقود مضت وهى تعانى من القهر والإهمال والتهميش، صرخت بها حين كان اسمها يقفز على ألسنة الساسة وفى وسائل الإعلام بالمناسبات الوطنية فقط، خاصة عيد تحريرها فى 25 إبريل، يوم استرداد أرضها بعد انسحاب آخر جندى إسرائيلى منها عام 1982، فكانت كلمات الحب تطلق على ارض الفيروز يرافقها الأغانى والاحتفالات، وبعض الزيارات لمسئولين وسط زفة إعلامية، وما إن تنتهى المناسبة، تنفض الزفة، وتهدأ «الهوجة».

ويبقى حال سيناء الحبيبة كما هو فى حينه، يعانى أهلها من كل شيء، من عدم تمكن الكثير منهم من استخراج بطاقات شخصية أو رقم قومى، بما يكشف أنهم لا يحملون الجنسية المصرية، وما حمله هذا من خطر داهم على مصر نفسها، لوقوع سيناء على خط التماس مع «الخطر الخارجى»، مع تباعد المسافات بين التجمعات البدوية والقبلية وقسوة الظروف الجغرافية وتعرض الشمال منها للسيول، وغياب أى أنظمة متكاملة لاستغلال هذه المياه، وتفشى الفقر مع سوء الأوضاع الاقتصادية، وحدوث حالة خطيرة من الاستقطاب باستدراج بعض أبنائها إلى تهريب كل الممنوعات عبر الأنفاق، والاستقطاب من قبل التنظيمات الإرهابية والمتلبسة زورا بالإسلام، كل هذا والكثير من أسباب العقم الاقتصادى والسياسى الذى ضرب سيناء فى تلك العقود.

وسألتنى الباحثة دعاء الشريف وهى تعد رسالتها للماجستير بكلية الإعلام قسم صحافة، تحت عنوان «خطاب الصحافة إزاء قضايا التنمية فى اطار الصراع فى سيناء»، عن الأسباب الواقعية التى أضرت بسيناء وبالتالى بمصر فى تلك الحقبة، وكنت صريحة معها لوجه الله، قبل ثورتى 25 يناير و30 يونيو، كان من مصلحة بعض من أبناء القبائل ألا يتم تنمية سيناء والا يطالبوا بذلك حتى لا تمتد سلطة الدولة اليهم فتراقبهم عن قرب، أو يصل اليهم الإعلام بأضوائه الكاشفة، فيفضح ما يحدث، لانهم يديرون أمور المكان بمساعدة قلة من رجالات الأعمال الذين أثروا ثراء فاحشا من الاتجار بكل الممنوعات، مخدرات، سلاح، تدريب على العنف، واستغلال فقر الأغلبية وحالة التهميش وعدم وجودهم على خارطة التنمية فى خدمة مصالحهم وأنشطتهم غير المشروعة.

وبغياب سلطة الدولة والإعلام، أصبحت سيناء قطعة من نار، تشكل خطرا استراتيجيا لحدود مصر الشرقية، مهما تغنينا بدور أبناء سيناء فى مواجهة العدو الإسرائيلى وأدوارهم البطولية، وعندما جاء الرئيس عبد الفتاح السيسى رجل الجيش والمخابرات المحنّك، ادرك أن استمرار ترك سيناء على وضعها فى حينه يشكل ضربة خطيرة لأمن مصر كله وليس الشرقى فقط، فكانت خطة استعادة سيناء إلى حضن مصر بالفعل عبر تطهيرها من الإرهاب، البؤر الإجرامية، هدم انفاق التهريب للأسلحة والمخدرات والإرهابيين، وبدء خطة تنمية تشعر أبناء سيناء انهم جزء هام من الوطن.

وها هى استراتيجية تنمية سيناء تتواصل تحت عنوان: «رؤية مستقبلية لتنمية سيناء»، لتحقيق نمو متوازن يجمع بين اعتبارات الكفاءة الاقتصادية فى تخصيص الموارد والعدالة الاجتماعية، وتحقيق التكامل بين برامج التنمية ومشاريعها فى شمال سيناء ووسطها وجنوبها، وإعطاء دفعة قوية للمناطق الواعدة الغنية نسبيًّا؛ لتوفير مزيد من فرص العمل للسكان الأصليين، وتنفيذ برامج لتحفيز الاستثمارات وإقامة مشروعات قومية كبرى على أرضها.

لقد أصبحت تنمية سيناء جزءًا من الرؤية المستقبلية لمصر عام ٢٠٣٠، وبهذا يثبت أن الاهتمام بأبناء سيناء اهم من كلمات الحب والأغانى التى كنا نحشدها لهم فى المناسبات، ألم اقل لكم... الاهتمام بالإنسان اهم واقوى من كلمات الحب.

[email protected]