عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

 

 

 

 

الحكاية طريفة ذكرتها مصادر تاريخية عِدة.. فى الصراع المُحتدم بين محمد على ودولة الخلافة العثمانية، كان من المُفاجئ أن تُحقق جيوش إبراهيم باشا انتصارات تاريخية على جيش الدولة العثمانية فى عدة مواقع متتالية فى الشام وتركيا، وباتت جيوش مصر على مبعدة ساعات قليلة من الأستانة.

وكان يُمكن بحسب مُحللين كثُر أن تواصل مصر التقدم لإسقاط الخلافة العثمانية تماماً، واستبدالها بخلافة محمد على، خاصة أن والى مصر كان يسيطر وقتها على الحجاز ذات الرمزية الدينية. لكن لتقدير خاص، وأسباب مجهولة أمر محمد على ابنه بالانسحاب وعدم التقدم داخل عاصمة الخلافة، والاكتفاء بما حققه من انتصارات، وربما لو قُدر للرجل الاستمرار فى التقدم لتغيرت خرائط الشرق.

على أية حال، ليست هذه الحكاية، وإنما الحكاية تخص رجل دولة طموح راهن رهاناً وبنى عليه تصورات وسار خلفها هو أحمد باشا قائد الأسطول العثمانى. ففى ذروة المعارك الدائرة أمر قائد الأسطول العثمانى رجاله بسفنهم بالتحرك لمهمة سرية ليلاً، دون أن يُخبر البحارة بطبيعة المهمة، ليصل إلى الإسكندرية بعد أن بعث قبيل وصوله برسالة مع مبعوث سرى إلى باشا مصر يُخبره فيها بإهدائه الأسطول العثمانى كاملاً.

وبالفعل استقبل رجال محمد على، أحمد باشا استقبال الفاتحين، واحتفلوا به كنبى مرسل، وخُصص له قصر فخيم، ووضع تحت تصرفه مجموعة من الخدم والعبيد، لتلبية أى طلبات وإجابة أى أمنية يتمناها.

وعاش الرجل أوقات نعيم ورخاء، بل ووعد بإعادته إلى بلاده سلطاناً بعد إسقاط السلطان العثمانى.

لكن انتصارات محمد على أوقفت بتكتل أوروبى، وتدخل دولى، وثورة الشوام ضد ظلم إبراهيم باشا ورجاله، ولم تلبث ضغوط الدول الكبرى أن دفعت باشا مصر إلى توقيع اتفاق لندن سنة 1840 لضمان احتفاظ أسرته بحكم مصر. وكانت أهم بنود الاتفاق استمرار حكم أسرة محمد على لمصر تحت السيادة العامة للخلافة العثمانية، لكن ثمة بند آخر لم يُدون فى الاتفاق، وهو إعادة أحمد باشا قائد الأسطول العثمانى إلى الاستانة، ولا يهم هُنا أن يعود حيا أو ميتاً، لكن المُهم أن يعود.

وأصيب محمد على بالحرج الشديد وشعر بأن كرامته تنهار فى تنفيذ ذلك البند اللا أخلاقى، لكن رجله القوى النافذ محمد الكتخدا، صاحب التمثال الشهير «لاظوغلي» طلب منه أن يترك له المهمة. وتأنق الرجل، وارتدى ثياباً رسمية، وحمل مسبحته، وذهب إلى أحمد باشا وتحاور معه حواراً زاهداً ورعاً قال له فيه إن الدنيا دار هلاك، وأن ما عند الله خير وأبقى. وأخبره بأن الله قد يختار إنسانا ما ليحقن به دماء كثيرة، وأن ثواب ذلك لا حدود له. ثم أخبره بأن باشا مصر، قارب الموت لعدم قدرته تحمل اشتراط الاستانة عليه تسليم الأسطول وصاحبه، وأنه سيقتل نفسه كمداً وقهراً. ويبدو أن أحمد باشا سأله وقتها عن الحل، فأجابه الرجل بأنه يملك أن يعفى الباشا من الحرج والضغط النفسى والمذلة، بحركة شجاعة تناسب قائداً عسكرياً عظيماً. ثُم قدم له زجاجة صغيرة من السم سريع المفعول وقال له، إنها ستكون سريعة جداً. وبالفعل لم يجد قائد الأسطول اللاجئ بداً من شرب زجاجة السم بعد أن صلى ركعتين ودع بهما الدنيا.

استعدت الحكاية وأنا أتابع تحليلات إخبارية عن توجهات أنقرة للمصالحة مع مصر، وطاف برأسى حكايات مصريين كثُر باعوا كُل شىء برهانات غبية.

والله أعلم

[email protected]