رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

أفتح نوافذ روحى لأستقبل أشعة الشمس. أخلع أردية الكراهية، وأصفّى قلبى لأستنشق الحقيقة، وأسعى إلى الإنصاف. أُفتش وأُقلب تاريخنا الحديث، لأقف كثيراً أمام مأساة اليهود المصريين، الذين جرحناهم وظلمناهم مُجتمعياً وإنسانياً وما زلنا ونحن نُردد كلمة يهودى باعتبارها سُبة.

الظُلم ظلمات. لم يكُن اليهود المصريون كفة واحدة. ليسوا خونة كما نُظن، وليسوا قتلة وغادرين، ولا يُمكن اعتبار كل يهودى صهيونى. ظلمناهم؟  نعم ظلمناهم بخطاب الكراهية والإقصاء والشعوبية الجاهلة، ونحن نُواجه ميلاد إسرائيل المباغت.

 فى نهاية الأربعينات تحول كل يهودى مصرى إلى عدو محتمل، ورد متطرفون مصريون على إعلان دولة إسرائيل بهجوم وحشى أرعن على المصريين اليهود من المدنيين العُزل، فأحرقت محلاتهم، وفجرت مساكنهم ليموت العشرات فى حوادث متفرقات دون وجه. وليس سراً أن جماعة الإخوان المسلمين ارتكبت عمليات إرهاب واسعة ضد اليهود، صاحبها خطاب تحريضى كريه حفلت به مجلة «الدعوة» لسان حال الجماعة وقتها.

وتتجلى المأساة الحقيقية فى انجرار الرئيس جمال عبدالناصر نفسه، بل وأركان نظامه إلى المسار ذاته شيطنة اليهود بعد العدوان الثلاثى، عندما لم يُفرق بين اليهود المصريين والصهاينة، فتكررت فى خطاباته الإشارة إلى إسرائيل بكلمة «اليهود» وهو توجه طائفى غريب ساهم إلى جانب عمليات التضييق والضغط فى تطفيش كثير من اليهود من مصر. لكن المفارقة الجديرة بالتسجيل هنا، أن معظم مَن غادروا مصر من اليهود لم يهاجروا إلى إسرائيل وإنما هاجروا إلى أوروبا وأميركا.

وكان من المؤسف أن يختصر البعض الوجود اليهودى فى قضية لافون سنة 1954 التى استغلها نظام عبدالناصر فى ترحيل كثير من المصريين خارج بلادهم قهراً.

وما يؤسف كل منصف ما حكاه لى المبدع الصديق الروائى أشرف العشماوى الذى حاول فى روايته الأحدث «صالة أورفانيللى» رد الاعتبار ليهود مصر باعتبارهم نسيجاً وطنياً لهم بصمات خير على الاقتصاد والفنون والعمارة، من أن فقراء اليهود الذين لم يتمكنوا من الهجرة والسفر اضطروا خلال الستينات إلى تزوير بطاقاتهم وتغيير أسمائهم ليحملوا أسماء مسلمين فراراً من الاضطهاد المجتمعى.

وقال لى «العشماوى» إنه التقى خلال رحلة بحثه فى مسارات روايته بيهودى مصرى يحمل اسم أحمد حدثه عن ذكرياته فى حارة اليهود وحكايات زمن التسامح والجمال الإنسانى. وكان من الموجع أن يسأله الروائى الكبير إن كان ما زال يهودياً فيرد بالإيجاب، ما يعنى أنه تستر بالاسم المسلم للهروب من حمق المتعصبين الذين صاروا السواد الأعظم من المجتمع.

 لقد كان يهود مصر مصريين تماماً كمسلميها. فى الزمن الجميل غنى سيد درويش فى أغنيته «قوم يا مصرى» قائلًا: «فيه نصارى ومسلمين قال إيه ويهود. دى العبارة نسل واحد م الجدود» وشارك اليهود بفاعلية ووطنية فى ثورة 1919 وكان حاخام اليهود من أوائل من وقعوا توكيلاً لسعد زغلول، بل إن اليهودى المصرى ليون كاسترو فتح صفحات جريدته «ليبرتى» الناطقة بالفرنسية لفضح الاحتلال البريطانى فى مصر. وفى سنة 1923 أعدم الناشط السرى ديفيد هازان، الوطنى المصرى، يهودى الديانة لمشاركته فى أعمال الجهاز السرى للثورة ضد قوات الاحتلال.

إن الإنصاف يقتضى منا أن ننفض خطاب الكراهية، ونعيد الاعتبار للمصريين اليهود الذين ما زلنا نلتمس خيراتهم أمثال الموسيقار داود حسنى، والمخرج البديع توجو مزراحى، والمفكر الاقتصادى إسحق ليفى، وغيرهم.

والله أعلم.

 

[email protected]