رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

على فكرة

قرية بيوتها تتلاصق بعضها مع بعض مثل القبور، وتجاور برك مياه تنشر روائح عفنة تفوح من مخلفات ومن ماء صدئ. وما إن تنتهى صلاة العشاء، حتى ينتهى يوم القرية، بعد نهار عمل بدنى شاق ومجهد، ويهرع أهلها جموعاً إلى نوم عميق، لكن الأرق انتاب عبدالكريم هذه الليلة، فبعد أن أدى صلاة العشاء.. ألح عليه الخفير «طنطناوى» بتناحته المعتادة، أن يتناول معه كوباً من الشاى الأسود، فطير النوم من عينه، الله يخرب بيتك يا خفير طنطاوى، ماذا سوف أفعل فى هذه الليلة الشتوية الطويلة؟ هكذا حدث «عبدالكريم» نفسه وهو يجول فى أنحاء القرية، بعد أن جافاه النوم، وانتابته الحيرة أين يمضى، وهو مفلس وليس فى جيبه قرش واحد، يساعده على السهر فى قهوة لشرب الشيشة، أو لكى يمضى ليلته لدى صاحب غرزة.

بعد يأسه قرر «عبدالكريم» أن يقضى ليلته «ببلاش»، كما اعتاد قضاء الأيام الباردة من لياليه، عدل الكساء الذى غزله بيده من صوف النعجة،على كتفيه، وشد قدميه المتشققتين بشقوق ينفذ منها المسمار، واتجه إلى بيته. ظلام دامس، وأطفاله الستة مكومون نياماً على قبة الفرن. عتب بينه وبين نفسه على الذى رزقه ستة بطون تأكل الحجر، الزوجة تغط فى نوم عميق، أخذ يحسس على قدميها المغلفتين بالتراب بالقنطار، ويزغزغها حتى أفاقت. بعد شهور كانت النساء تبشره بولد جديد هو السابع، والذى لن يملأ طوب الأرض بطنه هو الآخر. 

وبعد شهور وسنوات، كان «عبدالكريم» يتعثر فى جيش من الصغار، يزحمون حياته، وهو يتساءل كل ليلة وهو ناقم، ويائس ومفلس عن الفتحة التى فى الأرض والسماء التى يأتى منها هؤلاء الصغار.

تلك هى قصة «أرخص ليالى» للعبقرى يوسف إدريس، وهى ترسم صورة مفعمة بالصدق عن الفقر والتهميش والجهل فى قرى الريف المصرى، حيث تصبح كثرة الإنجاب حتى دون رغبة فى ذلك أرخص المتع، رغم التعاسة التى تجلبها على أهله. 

تذكرت القصة مع حديث الرئيس السيسى عن الزيادة السكانية التى تلتهم عوائد التنمية، مع تجاوز تعداد السكان المائة مليون نسمة، ومع تصاعد الاهتمام الحكومى بوضع استراتيجية قومية للسكان والتنمية حتى عام 2030. 

تخفيض معدلات الإنجاب قضية متشابكة تنطوى على عوامل اقتصادية واجتماعية وثقافية ودينية، فالدولة بعد طول صبر، ولا أقول إهمالاً وتقصيراً، تأخذ الخطوة الأولى الصحيحة، وتمد يدها للريف لتحسين شروط الحياة الكريمة به. وهى خطوة عليها أن تضع فى عين الاعتبار العلاقة الوثيقة بين التصنيع وانخفاض معدل الزيادة السكانية. فالتصنيع يحول البيئة الريفية إلى بيئة حضارية ترتقى بالوعى وبالمستوى الثقافى والصحى والمعيشى للسكان، ويزيد فرص العمل، للإناث والذكور، بما يتيح المجال للاستغلال الأمثل للقوى البشرية فى القرى داخل مشروعات إنتاجية، الأمر الذى يجعل تنظم النسل للزوجين ضرورة. 

 ولم يكن حديث الرئيس السيسى عن تجديد الخطاب الدينى بعيداً عن تلك القضية، ففى كل قرية وحى شعبى حاو يطلق لحيته ويلبس جلباباً وقبقاباً ويتاجر بالإفتاء بحرمة تحديد النسل، بينما فى ثلاثينيات القرن الماضى أفتى الشيخ عبدالمجيد سيلم مفتى الديار المصرية باستخدام وسائل تنظيم الحمل. 

والتحكم فى الزيادة السكانية يحتاج إلى وضع قيود حازمة التنفيذ على من يخالفون القانون، فيما يتعلق بالزواج المبكر. وقد يكون من الضرورى فى هذا السياق فتح مناقشة علمية ودينية لإباحة حق الإجهاض الذى اعتبرته هيئة الأمم المتحدة حقاً من حقوق الإنسان، خاصة أن منظمة الصحة العالمية أوضحت أن معدلات الإجهاض باتت متساوية فى الدول التى أباحته والأخرى التى تحظره.