رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

استطاعت مصر منذ منتصف القرن التاسع عشر أن تصدر لنفسها صورة قوية من خلال الثقافة كقوة حريرية، كانت الحياة الثقافية فى مختلف المجالات فى الفنون، والآداب، والفكر، تمنح لمصر القوة، وتعطى صانعى القرار السياسى مزيدًا من القوة بسبب تلك الصورة التى صدرتها الثقافة عن مصر فى محيطها العربى والإسلامى والعالمى.

وكانت مصر منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين هى معقل الحرية، وقبلة الوافدين والمهاجرين، من الأرمن، واليونان، والعثمانيين، والشوام، فجاءت إليها النخب المسيحية من الشام من أمثال شبلى شميل، ويعقوب بصروف، وبشارة وواكيم تكلا، وجورجى زيدان، وفرح أنطوان، وزينب فواز، ولبيبة هاشم، والعديد من الرموز الذين اندمجوا فى الحياة الثقافية المصرية وأثرتهم وأثروها.

وكانت الحياة الثقافية فى تلك الحقبة التاريخية تكشف مدى حيوية مصر، ودورها فى المنطقة، حيث تشكل الفكر العربى، ومعه تشكلت الفنون والآداب الحديثة، وقامت المعارك الفكرية على أرض هذا الوطن قبلة الشرق، وحاضرة العرب والمسلمين الحية، وبقدر ما منحت السياسة حرية للثقافة والمثقفين، بقدر ما عضدت الثقافة السياسة فى رسم صور فاعلة لمصر الوطن والدولة والحضارة والتاريخ.

وفى الحقبة الناصرية كانت الدولة المصرية برئاسة عبدالناصر تعى أهمية الثقافة، رغم خلاف عبدالناصر مع بعض المثقفين والزج بهم فى السجون، إلا أن الثقافة كانت قوة حريرية فى الدولة المصرية، ومازالت تمارس دورها الفاعل فى دعم الدور المصرى، وكان الفيلم المصرى، والأغنية المصرية، والفنان المصرى، والأديب المصرى يمارس دوره الفاعل فى تصدير صورة فاعلة عن مصر.

ولكن القوة الحريرية لمصر بدأت فى التراجع مع العهد الساداتى، الذى فتح المجال العام للجماعات الإسلامية ليحتلوا المجال العام، وتم تصدير السلفية الوهابية لمصر، وليتسع الأمر فى الحقبة المباركية، رغم وجود بعض الرموز الثقافية، ومع ذلك كنا نسمع من الأشقاء العرب وخاصة المغرب العربى أن مصر نضب الإبداع فيها.

وما بعد ثورة 25 يناير تراجع الدور الثقافى لمصر كلية وجفت رياح الإبداع فى كافة المجالات وانشغلت السلطة فى الدولة المصرية بالحفاظ على ما تبقى منها، وكان شعارها الأمن والاستقرار يسبق الحرية بسبب ما أحاط بالوطن من مخاطر داخلية وخارجية.

إن السلطة فى الدولة المصرية الآن، وهى تسعى لازدهار العمران مازالت تعيش فى مرحلة الشك، الشك من الفصيل الذى يهدد أركان الدولة لا يبغى سوى خرابها، ونحن نرى أننا لابد أن نتجاوز الشك إلى مرحلة الفاعلية والإنجاز ليس على مستوى العمران والبناء، ولكن على مستوى التنمية الشاملة، وعلى رأسها التنمية الثقافية لأنها قوة مصر الحريرية الداعمة للقرار السياسى، فمصر لن تذهب لتجنيس بعض اللاعبين الأجانب للحصول على بطولات رياضية كما تفعل قطر، ولن تجهز إلى رحلة بالمسبار إلى الفضاء كما فعلت الإمارات، نتيجة لوفرة الأموال، ولكن ثروة مصر وقوتها الحريرية فى عقول أبنائها وثمار جهدهم الخلاق.

والأمر فى حاجة ماسة إلى أن تعيد الدولة المصرية للثقافة دورها الحقيقى، فالثقافة المصرية هى القوة الداعمة للدولة المصرية، والدولة المصرية لا ينقصها مؤسسات ثقافية، ولكن ينقصها المنتج الإبداعى فى تلك المؤسسات.

وختامًا لابد من التأكيد أن مقاومة الإسلام السياسى المتطرف لا يكون إلا بإنماء الفنون والآداب والفكر والفلسفة والثقافة، فالثقافة بكل أشكالها هى وحدها من يرتقى بروح الإنسان، وبذوقه، ورهافة إحساسه، ويكفى أن نذكر مشهد العام الماضى كيف اجتمعت الأسرة المصرية حول التلفاز لمشاهدة مسلسل الاختيار، حيث وحدت الدراما لحمة المصريين حول هذا المسلسل، الذى استطاع أن يوصل رسالة محددة للشعب المصرى ضد جماعات التطرف والعنف.

كانت هذه الرسالة أقوى من كل برامج التوك شو التى تتكلف المليارات، وهى عاجزة عن مواجهة الإعلام المتطرف، والإعلام المهيج لمشاعر الناس، فهل تدرك السلطة فى الدولة المصرية مدى حاجتها وحاجة المجتمع لعودة الدور الثقافى لمصر فى الوقت الراهن، لتكون قوة داعمة للدولة المصرية فى مرحلة العمران والبناء، وتعمل على تقوية الروح المصرية فى فترة عصيبة من تاريخ الحياة فى مصرنا الحبيبة.