رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

فى قصة «شهر العسل» لـ«نجيب محفوظ» 1971م نجد أن الكاتب عرض قصة زوج وزوجة عادا إلى منزلهما الرائع الذى أسسته بعناية وفخامة والدة الزوجة لاستقبال العروسين وتركت لهما «أم عبده» الخادمة العجوز لتكون فى خدمتهما ورعايتهما والقيام على شئون البيت والأولاد القادمين بإذن الله، وحين يدخل العروسان المنزل ويحلمان معًا بالحياة الجديدة الرغدة السعيدة الهنيئة يفاجأ أن هناك شخصًا غريبًا فى الشقة وحين يستعلمان عنه يخبرهما أنه ابن الخادمة وأنه موجود فى الشقة لحين عودتها من المولد، وعندما يطلبان منه مغادرة المكان تبدأ أغرب قصة، إذ نكتشف أن هذا الرجل قتل الخادمة ووضعها فى الثلاجة وأنه قد حبس العروسين وأغلق باب الخروج وحتى الجيران فإنه كان قد اشتبك معهم فى خناقات وصراعات ووصل الأمر أنهم يرفضون مساعدة أى إنسان داخل تلك الشقة وحتى التليفون قد قطع أسلاكه ومعه فى المطبخ طبال وراقصة وزمار وقد اجتمعوا جميعًا على أن الشقة ملك لهم وأن العريس هو من أخفى جثة الخادمة بالرغم من أنهم اعترفوا أن الرجل المجرم هو الذى قتلها، وفجأة يظهر بلطجى آخر يسكن غرفة النوم ويبدأ الصراع بين المجرم والبلطجى وتنتهز العروس الفرصة وتدخل إلى المطبخ وتحضر سكينًا لتدافع به عن زوجها ويتقاتل المجرم والبلطجى وتشتعل النيران فى المطبخ ويهرع البوليس والإطفاء لإنقاذ الحى وتنتهى القصة بالمجرم والبلطجى قتيلان والشقة وجميع المحتويات محترقة والعروسان فى حالة مزرية يضمدان حروقهما وجروحهما.

إنها قصة كتبها العبقرى «نجيب محفوظ» بعد ثورة «يوليو» يناقش فيها قضية الملكية والحكم والشعب فى رمزية عبثية تحمل سمات العالمية عن علاقة الحاكم بالشعب ومن له حق الإدارة والملكية وكيف أن القوة هى المتحكمة والمسيطرة وأن هناك جوقة من الطبالين والزمارين والراقصين الذين يساعدون المجرم ويبررون أفعاله أيًا كانت ويغيرون الحقائق ويحولون القاتل إلى برىء والبرىء إلى متهم يحكمون عليه لأنهم يملكون مفاتيح الإدارة والقوة.

هى قصة العالم الذى نعيشه منذ بدأت البشرية فى استحداث مسميات عن أنظمة الحكم سواء ملكية أو ديموقراطية، فالكل يحكم باسم القوة أو الدم الأزرق أو الدين أو ما يسمى بالاختيار الشعبى ولكن حين يبدأ مرحلة الحكم والإدارة تنقلب الأمور فيصبح الشعب صاحب الشقة مجرد مفعول به لأن الآخر يعرف أكثر ويملك أكثر وله الحق فى المنح والمنع والغلق والاتهام أو البراءة.

تذكرت هذة القصة مع قضية الإعلام الذى فرض علينا بعد ثورة «يناير» وفوضى الإرهاب وما حدث من تدمير لروح الانتماء وحالة الانقسام التى أصابت المصريين من جراء العشر سنوات الماضية، فإذا بنا نتابع إعلامًا لا يعبر عن الشعب ولا يوجه الرأى العام ولا يسهم فى حالة التطور الفكرى والعقلى والسلوكى من تثقيف ومتعة وتوثيق وطرح سليم للمعلومة والخبر وإنما نجد أن الإعلام الذى هو ملك للشعب قد انهار بدعوى أنه يخسر وتحول مبنى «ماسبيرو» واستوديوهاته العظيمة إلى تركة متهالكة وتم تأجير ساعات البث الرئيسية لشركات إعلانات تفرض ذوقها ورأيها ومذيعيها وبرامجها كما تفعل فى جميع القنوات الخاصة إسمًا والملكية الأمنية للدولة فعلاُ فإذا أبواق الإعلام واحدة والكلمات مكررة والبرامج معادة عن ذات الطبيخ والحديث النسوى التافه والفنانين ولاعبى الكرة والبرامج الحوارية من طرف واحد للإعلامى أو الإعلامية اللذين ليس لديهم أى مادة إعلامية جديدة أو مختلفة وإنما نفس العبارات والحماسة الزائفة أما المسلسلات فهى مقتبسة من أعمال أجنبية وتحولنا من حرب البلطجية فى الحارات وسوقية الألفاظ إلى حرب رجال الأعمال والستات الفاتنات وأعمال السحر والشعوذة وكوميديا الإسفاف والضحالة وقلة الأدب والقيمة والمعنى الكل يعرفه ويهابه ويخافه لأن بيده مفتاح الشقة ومعه جوقة الزمارين والطبالين والراقصين... انتهى شهر العسل فى قصة «محفوظ» نهاية منطقية لكن مأساوية علنا لا نصل إليها يومًا ما...