رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

البلادة هى أن تسكن. تتقبل الرتابة وتثبت مكانك. لا تُغير ولا تتغير. تلتحف باللاحراك وتقبل أن تبقى مفعولا به لا فاعلا. أن تشكو قلة البخت، وتآمر المحيطين، وتلعن الزمن وناسه وأحواله، دون أن تمد كفك يومًا للمقاومة.

تُجرجرنا آلية الحياة، فنمضى مع التيار المتدفق، نتقبل ما يدور حولنا ولا نحاول تحورًا أو تحولًا أو تغييرًا فى مساراتنا. ربما يرجع ذلك إلى أننا جبلنا على نبذ التعلم وتصور أننا حُزنا بفعل خبرات السنين والشعر الأبيض العلم كله، والفهم كله، والنضج والوعى الأكمل.

نُخطىء، عندما نقتنع أننا كبرنا على التعلم. أنت فى العشرين يجب أن تتعلم، وأنت فى الخمسين يجب أن تتعلم، وأنت فى السبعين يجب أن تتعلم، فكل زمن يمر دون تعلم أى شىء جديد هو زمن مُهدر كلبن مسكوب على الطرقات.

إن حياتك لن تتغير دون تعلم: مهارة جديدة، فن مستحدث، قدرات متميزة، وخبرات إضافية. أن تشعر أنك كبير على التعلم، فمعناه أن تنتظر موتك. أن يمر يوم دون اكتساب معرفة أو امتصاص رحيق مختلف، أو هضم علم جديد فمعناه أن روحك نعست، وصرت تابعا، مستقبلا، مدفوعا، مأمورا إلى الأبد.

قبل سنوات التقيت بالدكتور ميرزا حسن، نائب رئيس البنك الدولى فى واشنطن، وهو رجل علم رفيع حاز شهادات وخبرات دولية لا حصر لها فى علوم شتى، وحكى لى الرجل كيف سافر بالطائرة عشر ساعات وأكثر إلى ولاية أخرى ليلقى محاضرة فى أحدث تقنيات الاتصالات والتكنولوجيا، يلقيها عليه شاب صغير فى التاسعة عشرة من عمره. وقال لى الرجل «جلست مبهورا ولم أنطق، لأتعلم ممن هو أصغر من ابنى ما لا أعرف.» ونصحنى قائلا « تعلم ثم تعلم.»

بعد أن جاوزت منتصف العمر، وفارقت الشباب طبقت نصيحته بحذافيرها، مكررا لنفسى أنه لا كبير على التعلم. صرت منشغلا بالتعلم والتتلمذ والتلقى من كل معين، ولم أعد أخجل أن أصبح تلميذا لأساتذة أصغر سنا. أجلس منبهرا مأخوذا متقبلا مهارات لم أعرفها، أو فكرة لم أختبرها، أو فكرًا لم أعه.

قضيت ساعات وساعات فى تعلم علوم كثيرة لم أحط بها. اجتزت دورات تدريب وتعليم فى أمور لم تخطر يوما ببالي: علوم إحصائية، سياسات عامة، صحافة فيديو، نقد فنى، وسيناريو وغيرها.

فتحت عينى وعقلى وروحى لمعارف جديدة وأيقنت كم أجهل وأتصور العلم، وكم أنقص وأعتقد النضج، وكم أملك يدا فى كل أمورى وأظن سوء الحظ والنصيب.

«الحركة بركة» كما يقولون، ولا تغير لحيواتنا ولا تقدم دون جهد ومكابدة وإقبال على التعلم الدائم والتدريب المستمر، والخروج من مجال معرفة جديدة للدخول فى آخر. تلك طبيعة الكون الذى لا يتوقف لحظة.

أتذكر بيت شعر للإمام الشافعى يقول فيه «كلما أدبنى الدهرُ.. أرانى نقص عقلى. وإذا ما ازددت علما.. زادنى علما بجهلى.» وأعرف كم أنا جهول.

والله أعلم.

 

mailto:[email protected]