رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ارتبط مجد الإذاعة المصرية بالعديد من الأسماء، ومن أبرزهم الأستاذ صالح مهران الذى غيبه الموت الأسبوع الماضى عن عمر ناهز الثلاثة والثمانين عامًا.. تربيت فى طفولتى على صوت صالح مهران، المفعم بالفخامة والهيبة والوطنية، خاصة أنه من الأصوات التى ظهرت فى أعقاب ثورة يوليو 1952، وقدم الكثير من خطب الزعيم الخالد جمال عبدالناصر، وكذلك حفلات كوكب الشرق السيدة أم كلثوم.

ما يجعل الأستاذ صالح مهران حالة إعلامية خاصة- ثقافته المتنوعة التى كانت اللغة العربية وآدابها وتاريخها محورًا أساسيًا لها، إضافة لخبرات تراكمت مع سنوات طويلة من العمل المتنوع داخل مصر وخارجها.. اقتربت من الأستاذ صالح مهران صديقًا وأحياناً طالب علم تستهويه السباحة فى نهر متدفق الذكريات يشق مجراه بين دروب سنوات عمر رجل بقيمة وتجربة الأستاذ صالح مهران.. كنت دائمًا أقول بينى وبين نفسى أنه أكبر شلتنا عمرًا وأكثرنا شبابًا.. كان صالح مهران حتى قبل وفاته بأيام قليلة متدفقًا فى حديثه ظهيرة السبت الأخير له معنا (السبت 16 يناير) فى ركن بحديقة بنادى الزهور هربًا من الإجراءات الاحترازية التى حرمتنا من أمسيات صالون الأربعاء الأسبوعى بفندق البارون بمصر الجديدة والمستمر منذ قرابة العشر سنوات.

سألتنى زوجتى «أشعر أنك حزين على أستاذك إلى حد الأزمة» وشرحت لها أن أمثال الأستاذ صالح مهران لا يكسرنا ويعصف بنا فقدانهم جسدًا وإنما فقدان صفاتهم الجميلة، وكأن بستان العمر قد اختفت منه فجأة أكبر أشجاره بكل ما كانت توفره من ظل وثمر لعابرى السبيل.. كان الأستاذ صالح مهران معنيًا إلى حد كبير بقضية اللغة العربية وكان يرى أن مجمع اللغة العربية بحاجة لمراجعة فلسفة عملة وأولويات موضوعاته. وسألته مرة عن مكان اللغة من التطور؟ وكانت اجابته بديعة، بأن اللغة العربية كأى لغة وعاء للعواطف والمشاعر والوسيلة المعبرة والناقلة لنوع ودرجة أى تطور فى المجتمع المتحدث بها.

وكان من قناعاته دومًا أن اللغة العربية إذا لم يضف لها مئات وآلاف المصطلحات الجديدة سنويًا فهذا يعنى جمود اللغة وجمود أحوال المتحدثين بها وكأن الكل فى كهف ولا يعرف أحد ماذا يحدث خارجه، وكان يعتبر اللغة العامية المصرية مهملة من قبل كل المعنيين بالهوية الوطنية، وأنها مخزون قوة لا يجب التغافل عن قيمته وقدرته على تجديد ماء الحياة.. الأستاذ صالح مهران كان مثقفًا موسيقيًا بشكل بديع وكأنه درس الموسيقى ومقاماتها دراسة متخصصة.. تزاملت مع الراحل الكبير قرابة العشر سنوات، نعمل سويًا كمحاضرين لطلبة كلية الإعلام بجامعة مصر الدولية، وكنت ألحظ أن طلبته يتعلقون به ليس كأستاذ فقط، ولكن كتجربة حياة مبهجة وجميلة وقادرة من فوق جبل الثمانين عامًا أن تستوعب شابات وشبابًا دون العشرين عامًا وبعبقرية فريدة..

كان لصالح مهران موقف من الحياة والناس والتاريخ، يشرحه بجرأة ويدافع عنه بجسارة، وربما ما حيرنى فيه حتى لحظة رحيله مشروع ابتسامة غير مكتمل مرسوم على وجهه، وكأنه رحل وترك لنا مساحة من الزمان والمكان لعلنا نستطيع فيما تبقى من آجال السخرية من قسوة الواقع بالتمنى الجميل.. كان يبدو لى أحياناً مثل الجبل الذى أن أردت تأمله عليك بالتراجع قليلًا للوراء لتترك مسافة تسمح لك برؤيته من سفحه لقمته.. ابنته الإعلامية بالإذاعة المصرية أميمة مهران ظلت قصة حبه الكبير، ابنته وصديقته وفرحه وعزاؤه وحياته وموته، وبحره ومرساه.. الأستاذ صالح مهران لم يملأ الدنيا ضجيجًا بما يمتلك من أدوات الفكر والثقافة والفنون- وكان يقدر- ولكنه استغنى تعففًا، وكنا نحن الفائزين به، ولعلى من باب الاعتراف بالفضل أذكر وأشكر الأستاذ الدكتور حمدى حسن- أحد أهم أساتذة الإعلام فى مصر والعالم العربى- على أنه هو من أتاح لى ولشلة أصدقاء صالون الأربعاء الأسبوعى الدخول إلى بوابة هذه الشخصية الاستثنائية.. رحم الله الأستاذ الجميل والإنسان النبيل صالح مهران.