عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

فى لحظات المحن، وفى أوقات الحصار، وفى أزمنة البناء والتنمية، تستدعى الأمم القوية روحها القومية، تلك الروح التى تُمكن من بث روح جديدة فى الشعوب، وتستدعى الهمم للعمل والنهضة، ففى مطلع القرن العشرين وتحت وطأة الاستعمار الإنجليزى، ظهرت فى مصر دعوات لبعث الروح القومية المصرية، دعا إليها أحمد لطفى السيد، وإسماعيل مظهر، وسلامة موسى، وأمين الخولى، وطه حسين، محمد صبرى السربونى تلك الروح التى عمقتها ثورة 1919م، واستمرت تلك الروح عند صبحى وحيدة وأنور عبدالملك، وجمال حمدان.

وتكشف تلك الروح القومية عن خصوصية الأمة المصرية فى عمقها التاريخى والجغرافى، فلم يكن الإسلام بمفرده بمحدد لهويتها التاريخية، ولا المحيط العربى بمقوماته العروبية، ولا بظهيرها الإفريقى، ولا علاقتها بالمحيط الشرق أوسطى، بل هى كل ذلك ويزيد على ذلك أفقها الفرعونى العميق الممتد منذ الآلاف السنين، وما لحقه من الروح الإغريقية والرومانية، وقد استدعت كل تلك الروافد الدعوة إلى خصوصية القومية المصرية فى التاريخ.

تبدو أهمية هذه الرؤية فى ضرورة بعث القومية المصرية فى ضوء ما تمر به مصر الآن من ظروف تاريخية صعبة وتحديات خارجية كبيرة مع ضعف واضح فى اللحمة الاجتماعية، وآثار نفسية صعبة يمر بها الشعب المصرى نتيجة سياسات الإصلاح الاقتصادى وخطواته المتسارعة، وفى ضوء ما اتجهت اليه الدولة من التعامل مع مشاكل مصر التاريخية بمعالجات جذرية لم يعهدها الشعب المصرى فى الحقب السابقة، التى كانت تعتمد على تسكين المشاكل بمسكنات مؤقتة. وللأسف لم يتم تأهيل الشعب لما تقوم به الدولة من إصلاحات، ولهذا يبدو الشعب مقاومًا لبعض الإصلاحات، لأنه لم ير الدولة من قبل حازمة بهذه الصورة، وزاد من النفور أن خطاب السلطة للشعب هو خطاب فوقى فيه قدر من الحدة، وأن السلطة تعرف أكثر، وبدا فيه أن الشعب لا يعرف مصلحته، وأن الشعب يشوه بلده، ويدمر أرضه الزراعية، وقد باعد هذا الخطاب بين السلطة والشعب، وأفقد الشعب الإحساس بما تنجزه السلطة لصالحه بالأساس لأن قواه منهكة تحت وطأة الإصلاح والبناء.

ويبدو لنا أن خطاب القيادة السياسية فى برنامج عمرو أديب، وفى مشهد عزبة الهجانة كانت اللغة الأكثر هدوءًا ومقدرة على جذب روح الجماهير، وكانت الرسالة واضحة بأنه تتم معالجة مشاكل متراكمة، وأن الفقراء ضمن أولويات الدولة، فأحدث هذا تحولًا طيبًا فى نفوس الشعب تجاه القيادة السياسية، وذلك لأن الفقراء عشقوا عبدالناصر لأن خطابه لهم كان يسيطر على عواطفهم ويشعرهم بأنه يبنى من أجلهم، فتسامحوا معه فى النكسة، وخرجوا وراء نعشه بالملايين لأنهم أحبوا فيه خطابه لهم وعمله من أجلهم.

وفى ظل هذه الظروف التاريخية التى يتكلم فيها الأشقاء فى الخليج عن تراجع دور مصر التاريخى، وأن الدور المصرى بات مرهونًا بالتأثير الخليجى يبدو من المهم أن توحد الدولة بسلطتها الحالية اللحمة الاجتماعية الداخلية وتقويها، لأن فى قوتها قوة للسلطة، وأن تغذى الشعور باستقلال القومية المصرية، وأن ترسخ لعمق الأمة المصرية فى التاريخ، تلك الأمة التى كانت فجر الضمير الإنسانى، وكانت حاضرة قبل الإسلام بخمسة ألاف عام، وكان لها حضورها التاريخى فى الحقبة الإسلامية فى الدفاع عن الإسلام ضد التتار والصليبيين، وأنها أول وطن فى العالم العربى أدخل الحداثة إلى أراضيه.

ولذا فإن إعادة إنتاج القومية المصرية بلحمتها القوية مطلب بات مهمًا وضروريًا فى خطاب السلطة إلى الشعب بوصف السلطة جزء من الشعب، وليست فوق الشعب، وبأنها تعمل من أجله على كافة الأصعدة، وأن تغذى وتحيى تميز الأمة المصرية فى التاريخ والحضارة، وأن عليها أن تعمل من أجل أن تستعيد قوتها على كافة الأصعدة، وأن كرامة الأمة المصرية مرهون بالنهضة والتقدم فى كافة المجالات، وأن استقلال القرار السياسى مرهون بتحرير مصر اقتصاديًا.

إن إحياء القومية المصرية ليس مسئولية الخطاب السياسى بمفرده، ولكنه مسئولية الخطاب التعليمى والتربوى، والإعلامي، والديني، إنه مسئولية مجتمعية متكاملة، فلا يمكن لشعب مصر أن يبنى وهو يشعر بالضعف، ولا يمكن أن يقاوم بروح منكسرة، ولا يمكن لسلطة أن تكون قوية إلا بقوة الروح المصرية ووحدتها خلفها، فهل تعمل مؤسسات الدولة على إعادة الروح المصرية القومية قوية فتية لكى تواكب وتدفع حركة البناء والتنمية والعمران؟