رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نبض الأفكار

يسعدنى أن أبدأ معكم منذ اليوم سلسلة من المقالات الفكرية والثقافية التى تناقش وتناوش بعض الهموم الثقافية والفكرية التى يمر بها المجتمع فى هذه المرحلة الفارقة والشائكة من تاريخ العالم. والثقافة التى أعنيها فى هذا السياق هى الثقافة بمفهومها الإبداعى فى مجالات الفن والعلم والفلسفة والأدب. هذه الثقافة هى القوة الناعمة لأى مجتمع، وهى بمثابة اللحاء الذى يحمى جسد المجتمع ويصونه من كافة الظواهر الكارثية مثل: العنف، الإرهاب، التعصب، الجهل، التخلف، الجمود، الانهيار، الغباء، الهمجية، البلطجة... إلخ.        والثقافة الإبداعية هى حائط الصد الحقيقى ضد كل ما يُهدد بالانحطاط الحضارى.

إن الثقافة ليست ترفًا أو حلية تتزين بها المجتمعات: الثقافة الإبداعية هى تنهيدة الشعوب وهى التى تُشكل وعى ووجدان الإنسان، بل وتُشكل رؤيته للعالم وللحياة وتصوغ أحلامه وطموحاته وآماله ونظرته للمستقبل: بكلمة واحدة الثقافة الإبداعية هى التى تصنع الإنسان. انظر إلى أى إنسان فى هذا العالم، إلى أفكاره، أسلوب عيشه، نظرته للآخر، تقديره لنفسه، موقفه من الحرية، من المرأة، حلمه، طموحه البشرى والإنسانى... الخ.

انظر إلى كل هؤلاء ستجد الثقافة هى الأم التى أرضعته كل هذه الفاعليات والإمكانات. لهذا أنا لا آمل من الإلحاح على الدور الثورى للثقافة الإبداعية فى صناعة الإنسان وفى تشكيل بنيته العقلية والوجدانية بل والجسدية أيضًا.

وإذا تأملنا المشهد المصرى اليوم سنجد أن الرئيس عبدالفتاح السيسى يقوم بإنجازات عظيمة وجبارة وحضارية سيذكرها التاريخ من بعده مثلما نتذكر الآن إنجازات محمد على باشا وجمال عبدالناصر، فالمدن والطرق والجسور العملاقة، كل ذلك وغيره إنجازات عظيمة لا ينكرها سوى جاحد أو حاقد. إن الاهتمام بالبنية التحتية للمجتمع ضرورة حضارية وإنسانية. لكن الاهتمام بالنهوض بالثقافة الإبداعية وبالبنية العقلية للإنسان المصرى لا يقل أهمية عن البنية الاقتصادية أو العمرانية، لأن من سيشيد هذه الحضارة وينميها ويطورها هو الإنسان.

ورغم ما يُعانيه المشهد الثقافى المصرى اليوم من فقر إبداعى على كافة المستويات الغنائية والسينمائية والمسرحية والأدبية والفلسفية والعلمية، إلا أننا فوجئنا فى الآونة الأخيرة بأن هناك هجمة شرسة يقودها بعض الكتاب والإعلاميين تستهدف تشوية الرموز الفنية وتصويرهم بأنهم لصوص، وأن أعمالهم لم تكن من وحى خيالهم، فأعمال نجيب محفوظ منحولة من أعمال أجنبية، والشعر الجاهلى لطه حسين مسروق من المستشرق مرجليوث، وأعمال عبدالوهاب مستمدة من الموسيقى الغربية، والأفلام المصرية مُعربة ومقتبسة من روايات أجنبية. وليت الأمر يقف عند هذا الحد، بل إننا نجد البعض قد تفرغ لتشوية لتاريخ الفنانة العظيمة سعاد حسنى وجعل منها موضوعًا يوميًا لنوازعه المريضة الحقيرة. الغريب أننا فى ثقافة تردد ليل نهار اذكروا محاسن موتاكم ومع ذلك لا أحد يفعل ذلك.

إن النبش فى قبور الموتى ومحاولة التمثيل بجثثهم لا أظنها عملية بريئة أو مجرد ثرثرة أو نميمة صحفية عابرة، لكنها مؤامرة ممنهجة ومبرمجة تستهدف تجفيف كافة منابع الفكر والإبداع فى مصر وحرمانها من قوتها الناعمة والجبارة. لا تظنوا أن المؤامرات على مصر سياسية أو اقتصادية فحسب، إنها أيضًا ثقافية، وقد بدأت مبكرًا منذ الغزو الوهابى وموجة حجاب الفنانات فى السبعينيات، وستستمر لا لشيء سوى لأن مصر عريقة فى كل شيء وستظل تؤرق وتقلق أصحاب الحضارات اللقيطة، التى بلا تاريخ أو جذور سواء حضارة الآخر الأمريكى أو الآخر البدوى الصحراوى. وللحديث بقية.

عميد كلية آداب الزقازيق الأسبق