رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

 

أن تشرد خارج السرب، وتُحلق فى سماوات مفتوحة، أن تفهم وتعرف، وتمتلك دماغك، أن تُقرر بنفسك ما يجب أن تقوله، ما تراه، وما تفعله فى عالمنا العربى، فأنت مقتول لا محالة.

هكذا، انطلقت خمس رصاصات نحو جسد المثقف اللبنانى الجميل لقمان سليم لتُخرس صوته، وتشطب نموذج الكاتب الحر، اللامنتمى للأحزاب والحركات والثورات الموجهة، والذى يرى بعيون الإنسان الحر فوق اعتبارات الطائفة، والأيدولوجيا، والقومية.

على طريقه، وفى سيارته، أوقف من قبل مجهولين، وفتح باب سيارته، وعاجله القاتل المجهول المعلوم بمسدس الموت ليكتم فكرة اللاتسيير إلى الأبد. لم يكن الإعدام تصفية حساب مع الرجل بسبب مواقفه السياسية، آرائه، أفكاره، وتصريحاته، وإنما كان تصفية حساب مع فكرة استقلال الكاتب والمثقف العربى.

 كان الموت جزاء للتفكير خارج السياق العام، أن يرى ما لا يراه القطيع، أن يطرح ما هو غير مطروح، وأن يمد أذرع المحبة والسلام إلى جميع أصحاب الرأى، فينفتح عليهم متفقا ومختلفا.

 كان الموت عقابا له على الخروج عن المنظومة الموروثة للعبة السياسة فى لبنان جمالنا الموجوع، ووجعنا الجميل فمّن يحيا على هذه الأرض مجبورا أن يسمع ويطيع ويقبل ويُنفّذ ويُساير، وإلا فهو يحفر قبره بيديه.

لم أعرف لقمان سليم شخصيا، لكن مثقفين كثر حولنا حكوا لى كيف كان يُبشر بالعقل الواعى العربى، وكيف كان يحتضن الإبداع والثقافة ويُدعمها ويساندها. كان يعبر عن توهج وإحساس وسعى لتنمية الثقافة وتوسيع مدارك الفكر من خلال نشر الكتب النادرة، وترجمة العلوم والأفكار، وإحياء التراث العربى، وطرح آداب السابقين والمنسيين حولنا، ودعم أبحاث ودراسات المستقبل.

وحكى لى صديقى المثقف النابه سيد محمود، والذى اقترب كثيرا من الرجل، كيف كان الراحل نموذجا لتشجيع كل إبداع جديد خلاق، وكيف كان، وعائلته منغمسين فى الأدب والثقافة وترسيخ الإبداع ودعمه.

لكن مشكلة الرجل أنه لم يكن خاضعا لخطاب الحناجر الزاعقة فى حزب الله، والتى تتاجر بالمقاومة وتدعى الشرف. لم يقبل أن يسير تابعا لذلك الكيان الإرهابى الذى يرفع السلاح فى وجه الكلمات فى بلد الفسيفساء الفكرية والعرقية. أبى أن يرضخ لأبطالهم الوهميين، ومقاومتهم الزائفة، وجعجعة التهديد بحرق إسرائيل ولعن أمريكا ومخاصمة العالم. رفض الصمت رغم تلقيه تهديدات صريحة وصلت إلى حد أنهم كتبوا على جدران منزله كلمة «ميت» مرارا وتكرارا.

كان الرجل يُدرك نهايته، ولا يأبه. أن تموت على هذه الأرض لأنك رفضت أن يموت رأسك، ويُدفن عقلك، ويُمحى حسك وشعورك بالآخرين، فهو لاشك أفضل وأعظم من أى شىء.

لقد كان كتلة حب وتسامح تمشى على قدمين، لكن رداء الثورية العربية يقتات الكراهية، يتنفس غلا وحقدا وشماتة، ويرى العقل عدوا أبديا. فدُبرت نهايته مثل كثيرين ماتوا فى سبيل الكلمات.

فطوبى له وسلامٌ على كل مَن يُفكر خارج القطيع.

والله أعلم.

 

mailto:[email protected]