رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

خارج السطر

أمجد الأعمال ما فتح أبوابا مغلقة، ورسم مشاهد بديعة، ونثر منافع للناس. الجميل الجميل هو ما كشف مستورا، ورد ظلما، وأنصف مظلوما، واحتفى بمنسي. وهذا ما فعله المثقف الدءوب أحمد سالم عندما أعاد بعث تراث العالم الذى سبق عصره، عبد المتعال الصعيدى فى كتاب سلس خلاب يحمل عنوانا موحيا ذكيا هو «العمامة المستنيرة».

عاش الصعيدى سابقا لعصره. رفض الجمود الفكري، وقاوم توظيف الدين لخدمة السياسة، وانتصر للعقل والعلم والحداثة.

ورغم كونه ابن الأزهر بسكونه وتشدده فى التمسك بالتراث، فقد دعا وتبنى طرح مفهوم جديد للاجتهاد والانخلاع من سطوة التفسير القروسطى للدين، مُبشرا بتحرر وانطلاق هدفه إحياء الدين فهما ووعيا وحضارة.

مؤلف الكتاب أستاذ فلسفة مُثقف، مولع بالإنصاف، ومُتهم بالتجرد، وموصوم بالتحرر. وهو يُنبئنا الكثير والكثير عن «الصعيدي» المنسى الذى أقام مشروعا متكاملا لتجديد وإصلاح علوم الدين يصلح رغم مرور أكثر من نصف قرن للتطبيق العملى الفعال.

كان «الصعيدي» يرى ضرورة تجسير المسافات بين العلمانية والإسلام من خلال الأخذ بمناهج العلوم التجريبية والإبحار والتعمق فى الفكر والفلسفة بالتوازى مع الحفاظ على أصول العقيدة ومحو كافة ما علق بالدين من تفسيرات وتصورات بشرية ربما تناسب عصرا ولا تناسب غيره.

وانطلق «الصعيدي» مفندا ومفككا ومحللا للجمود الدينى منطلقا من الأزهر نفسه وضده وضد مناهجه، حيث اعتبر أن إصرار الأزهر على التقيد بالمذهب الأشعرى جمودا وتعصبا. كما رفض اعتماد مناهج الأزهر على مماحكات لفظية قروسطية بعيدة عن مناهج الفلسفة الحديثة وكان يردد دائما أنه لا خوف على الإسلام من الفلسفات والعقائد الغربية لأنه يقوم على العقل.

وربما يعد من أهم ما يطرحه «الصعيدي» هو تاريخية العلوم الإسلامية بمعنى تقديس الماضى وتصور ضرورة السير على نهج السلف حذو النعل بالنعل كما يقولون، فذلك التصور أنشأ قطيعة فعلية بين الدين والعلوم الحديثة. إنه لا يجوز أبدا أن يُسأل عالم دين عن حكم الإسلام فى كذا أو كذا فيرد بأن الشافعى أو أبى حنيفة قال كذا.

إن أحدا لم يسأل نفسه لماذا اقتصرت المذاهب الفقهية المعروفة على المذاهب الأربعة؟ ولماذا لم تتعدد لتصبح عشرين وثلاثين وخمسين مذهبا؟ وما معنى تدريسها لطلبة العلم؟ ولماذا يُتاح الإجتهاد لرجال القرون الأولى ثم يُغلق فى وجوه المحدثين؟

لقد كانت هذه الأسئلة الملحة تدور برأس الرجل وهو يقاتل فكريا لاستعادة استنارة غائبة وإزالة شبهات محزنة ألصقها بعض بنى الإسلام فى الإسلام.

ويستعرض كتاب «سالم» جانبا من فتاوى الرجل التقدمية مثل قوله بمشروعية فن التمثيل، ومشروعية تقييد تعدد الزوجات قانونا، وحق المرأة فى تطليق نفسها، فضلا عن تصور اجتهادى عظيم فيما يخص الحدود باعتبارها للزجر وللإباحة لكنها ليست للإلزام.

لكن لأن المختلف مذموم، ولأن رجال الدين اعتادوا التقليد، واستمرأوا فكرة «وجدنا آباءنا لها عابدين» فقد اتخذوا موقفا عدوانيا من « الصعيدي» فحاكموه، وحرضوا عليه، ثم انتهوا إلى تهميشه، وتنحية مشروعه الفكري، لينزوى ويدخل دوائر النسيان، فلم تشتهر كتبه ورحل سنة 1966 ولم يذكره ذاكر.

وحكى لى أحمد سالم كيف لف ودار وجاب مكتبات وتتبع ورثة وفتش يمينا ويسارا ليحصل على كتابات الرجل التى نسيها الجميع، والأغرب أن الدولة المصرية نفسها نستها وهى تنادى بمشروع إصلاح دينى حقيقي، فلم تلتفت لما تضمنه من رؤى سابقة وعظيمة.

والله أعلم.

 

[email protected]