عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

عرضنا فى المقال السابق الجزء الثانى من تحليل كريس مارتنسون المطول المنشور على موقع إنفرميشن كليرنج هاوس فى 6 ديسمبر الماضى والذى انتهى إلى عرض تفاصيل تدمير ليبيا وقتل القذافى على يد الاستعمار الأمريكى وأتباعه فى دول غرب أوروبا، وفى هذا الجزء الثالث والأخير الذى يغطى باقى الخطط التدميرية التى يدبرها الاستعمار للشرق الأوسط وأثرها على الشعوب الغربية نفسها، يقول مارتنسون:

قامت داعش وغيرها من التنظيمات الجهادية المتطرفة بسبب الظروف اللوجستية التى جعلت هذا التفسير المتطرف للنصوص الدينية القديمة قادرة على الإقناع بالمقارنة، أنا أدرك أننى قد بسّطت جداً ديناميكية شديدة التعقيد، ولكن عندما تتكلم عن المعتقدات فأنا لا أعتقد أن الإرهابيين مولودون هكذا ولكن تمت تنشئتهم كإرهابيين، عندما يجد الإنسان أنه لم يعد لديه ما يفقده يصير كل شىء ممكناً بما فيه لبس حزام ناسف وتفجير نفسه، إننى أقول إن هذه ليست معركة بين المسيحيين والمسلمين أو بين الخير والشر، فقد قرأت مؤخراً باستفاضة أن هذا الكلام لغو لخداع العامة.

هذا صراع على الموارد والثروة الحقيقية التى يتم نهبها من الشعوب التى شاء حظها العاثر أن تولد فوق أرض هذه الثروات وبين الدول التى تملك القوة لنهبها ليس هناك فرق بين ما أقرأه اليوم وبين ما فعله جنود بريطانيا فى الهند فى أواخر القرن الثامن عشر لنهاية القرن التاسع عشر، فقوتهم العسكرية مكنت شركة شاى الهند الشرقية من استمرار نهب موارد الهند، ففى ذلك الوقت كان الهنود يعتبرون كفاراً فى نظر البريطانيين مما يعنى أنهم ليسوا بشراً وبذلك يمكن قتلهم ببساطة واليوم يسمون إرهابيين وهذا نفس الشىء، فنفى صفة الآدمية عن عدوك يسهل لك تبرير سلوكك نحوه، فهذا النوع من الممارسة هو دعاية حربية ناجحة.

فكيف يؤثر هذا فينا نحن الشعوب الغربية؟ بينما يغرينا الجلوس وسط البيئة الغربية فى أمان مطمئنين إلى فكرة أننا على الأقل لسنا هناك حيث تحدث الأشياء السيئة فمن الخطأ الشديد تصور أن الفوضى هناك لن تؤثر فينا أنا لا أعنى بذلك الاحتمال البعيد فى أن نصبح ضحايا هجمات إرهابية، فأنا أعنى أن فكرة أنه من الخطأ الشديد تصور أن أى حكومة تقوم بكل هذا التدمير فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ستتردد فى إلقاء أى شخص آخر تحت عجلاتها إن وقف فى طريقها.

فنجد مثلاً أن بن برنانكى لم يتردد فى إلقاء جدته تحت عجلات سيارته لمجرد مساعدة البنوك الكبيرة لتصبح أكبر حجماً، فقد قام عامداً ومدركاً بتحويل أكثر من ألف مليار دولار من أموال المستثمرين إلى البنوك الكبرى.

وبالمثل فعلينا ألا نتوقع سلوكاً طيباً يخرج من أحشاء قيادة لدينا لو ساءت الأحوال على الساحة الدولية، الواقع أن علينا أن نتوقع العكس.

من الخطأ تصور أن القوى المسيطرة لن تدير دفة شرورها نحو داخل بلدها نفسه وضد شعبها نفسه إذا دعت الضرورة لذلك، فاليوم توجه شرورها نحو سوريا وبالأمس كانت توجهها نحو ليبيا ولكن غداً قد نكون نحن هدف شرورها لقد ذاق الشعب الفرنسى مؤخراً طعم العذاب الذى نزل بشعوب العراق وسوريا واليمن وليبيا، وبينما لا أشعر بأى رغبة فى رؤية مزيد من العنف فى أى مكان فى العالم فربما يبدأ الشعب الفرنسى مؤخراً فى التساؤل عما حدث ولماذا حدث، أنا لا أعنى بذلك تفاصيل ليلة المذبحة ولكن أعنى أن يتساءل الشعب الفرنسى كيف خرج من وسطهم الناس الذين فعلوا تلك الأفعال الشنيعة ولهؤلاء الذين لا يعلمون أقول إن فرنسا بالذات ظلت سنين عديدة منغمسة فى إذكاء التمرد فى سوريا، والنتيجة هى الآتى:

إن هدفى هو ربط هذه النقاط ببعضها البعض بحيث نستطيع الدخول فى مناقشة مجدية عما يحدث فى سوريا والشرق الأوسط بصفة عامة، فأنا لست مهتماً إطلاقاً بمحاولة فهم الأحداث من خلال منظار الدين أو الإرهاب فكلا هذين العنصرين أدوات لتحريف مسار الفهم لدينا.

بدلاً من ذلك أريد أن أفهم ديناميكية القوى فى حركتها وأزيح الستار عن طبقاتها لأفهم لماذا تعتبر القوى المعنية منطقة الشرق الأوسط غاية فى الأهمية فى هذه اللحظة من التاريخ؟ أعتقد أنهم يعلمون كما نعلم أن ثورة البترول الحجرى ليست ثورة على الإطلاق ولكن حفل تقاعد لصناعة بترولية أعطتنا كل شىء عزيز لدينا اقتصادياً ولكنها فى طريق الزوال. وأعتقد أن صروح القوة فى العشرين سنة المقبلة، ستكون مبنية كلية على الطاقة ومن يملكها ومن يحتاجها ومن يسيطر عليها.

إن السعودية تتصرف بيأس متزايد وأعتقد أننا نعلم لماذا؟ فالمثل لديها يقول: «ركب أبى جملاً وركبت أنا سيارة ويركب ابنى طائرة وسيركب حفيدى جملاً».. فهم يعرفون كما يعرف الكل أن ثروتهم النفطية ستنفد يوماً ما ومع نفادها ينتهى اهتمام الغرب بها، ولعدم وجود قوة عسكرية عظمى لحمايتها عندئذ فإن الملكية فى السعودية لابد أن لديها قلقاً شديداً بشأن المستقبل.

والواقع أن الأمر أسوأ من ذلك، فجفاف آبار المياه فى السعودية سيعنى نهاية إنتاج القمح الصحراوى، فقد أصبحت السعودية أكبر مصدرى للقمح سنة 1984 بعد أن كانت لا تكاد تنتج قمحاً سنة 1970، وكان برنامج الاكتفاء الذاتى من القمح لديها ضحية نجاحها فى الإنتاج، فقد استهلكت بسرعة مخزون المياه الجوفية الذى لم يتم ملؤه منذ عصر الجليد الأخير.

وفى عملية تحول غير متوقعة أعلنت الحكومة السعودية سنة 2008 أنها ستنتهى تدريجياً من سياسة الاكتفاء الذاتى من القمح بتقليل إنتاجه بواقع 12٫5٪ سنوياً وتعويض العجز عن طريق استيراد القمح.

وكان آخر محصول رسمى تم جمعه فى مايو، رغم أن مشروعات منظمة الأغذية والزراعة الدولية بالأمم المتحدة توقعت أن محصولاً صغيراً فى حدود ثلاثين ألف طن مترى من النوع الخاص بالخبز التقليدى سينتج سنة 2016، وقد كانت قمة الإنتاج القمحى للسعودية سنة 1992 «4٫1» مليون طن من القمح وكانت السعودية واحدة من أكبر عشر دول مصدرة للقمح فى العالم.

وقد أقدم السعوديون على فعل غير حكيم إطلاقاً، فقد استخرجوا ماء من آبار امتلأت منذ عشرة آلاف سنة خلال عصر الجليد واستهلكوه فى زراعة قمح فى الصحراء والآن بدأت الآبار فى الجفاف وليست لديهم مصادر مياه أخرى، رغم أن عدد السكان لديهم يتزايد سريعاً ورغم بدء جفاف آبار النفط وهناك حالة قلق شديدة فى السعودية وحكامها يعرفون السبب.

وقد يساعد ذلك على فهم أسباب مهاجمتهم مؤخراً لأعداء مجاورين ويساعد على فهم جزعهم المتزايد الذى يدفعهم لزعزعة استقرار بعض جيرانهم بل وقصفهم فى غارات جوية، ووجهة نظرى هنا أنه كلما تناقصت الموارد فإن القوى الحاكمة يتوقع منها أن تتصرف بيأس متزايد، ورد الفعل الوحيد المقنع فى اعتقادى على المستوى الفردى هو أن يخفض الإنسان احتياجاته ويزيد نشاطه، وهو ما نغطيه بتوسع فى كتابنا الجديد وعنوانه: «كيف نجهز لمستقبل ونخلق عالماً يستحق أن نرثه»، ولن أدخل فى تفاصيل هنا، فهدفى المساعدة فى إلقاء الضوء على الأحداث العالمية الأخيرة وإيضاح أن سرعة مواجهتنا لها أصبحت ضرورة عاجلة.

وإلى هنا ينتهى هذا العرض المستفيض الصريح لمارتنسون، ومن جانبنا نقول إنه لو لم يعجل العرب باليقظة فالمصير المظلم الذى ينتظرهم هو التحول لدول فاشلة ممزقة إلى أشلاء متعادية تتصارع وتقتل بعضها البعض حتى ينعم العدو الشرير فى واشنطن وأذنابه فى باقى العالم بالازدهار ولو مؤقتاً، ألا قد بلغت اللهم فاشهد.

 

الرئيس الشرفى لحزب الوفد