استوقفتنى عيادة طبية في فرانكفورت مكتوب عليها "العلاج بالشعر"، وكم فرحتُ عندما رأيت روادها يستلقون على أريكة ويسمعون الشعر والموسيقى في جلسات علاجية من التوتر والاكتئاب والإحساس بالعزلة وغير ذلك، ولذا فقد سعدت أيما سعادة بجهود لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة التي أطلقت مبادرة "كل يوم شاعر" وملخصها أن ينتقي الشاعر قصيدتين من دواوينه ويلقيهما في فيديو ويرسله للجنة التي تعهد بالفيديو إلى أمانة المؤتمرات بالمجلس التي تقوم بإعداده وبثّه إلى الناس في بقاع الأرض، وهذا النشر المسموع المرئي أسهم في إيصال الشعر إلى الناس لتتسع الأرض شعرا وجمالا، كما أن اللجنة قد بثت ما يقرب من مائة شاعر وفي طريقها لإذاعة المائة الثانية، وهذا جهد جهيد تقوم به عن حب واقتدار وعن إيمان بدروها في نشر الشعر بكل أطيافه ومشاربه بالفصحى والعامية وبكل مدراسه واتجاهاته فهي على الحياد أمام كل الرؤى الشعرية التي تمثل ألوان الطيف الشعري.
وهذا يعد كنزا ثقافيا فاختيار الشاعر قصيدة من مجمل شعره وإلقاء الشاعر يختلف عن إلقاء غيره لأنه يعرف خوافي شعره ودروبه؛ وبعد سنوات ستتحول هذه التسجيلات إلى كنز معرفي يعد مصدرا لدراسة هؤلاء الشعراء صوتا وصورة وإلى مادة علمية تقام عليها الأبحاث والرسائل الجامعية من الماجستير والدكتوراه، وكم أغرقُ في التفكير خيالا، ترى لو أن لنا تسجيلات لامرئ القيس والمتنبي وأبي العلاء المعرى وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم، لقد ذهب هؤلاء بأصواتهم الشعرية وبقيت دواوينهم الورقية، لو أن لنا تسجيلا صوتيا يلقون فيه أشعارهم لكان شيئا جميلا.
وكم رحل من بيننا شعراء لم نحظ منهم سوى بتسجيلات قليلة أو لا تسجيلات لدينا منهم لذا أحيي أعضاء لجنة الشعر والمجلس الأعلى للثقافة وأمانة المؤتمرات به التي آمل أن تستمر على ذلك التوهج والألق والتفاني في العمل لأنهم يبثون لجميع لجان المجلس الأعلى للثقافة لتدخل الثقافة كل بيت عربي فالأنشطة المذاعة ليست من المصريين فقط بل من العرب جمعيهم، وآمل أن يستمر هذا البث بصفة دائمة مستقبلا و أن نحافظ على هذه الفيديوهات للأجيال القادمة، تحية إلى كل يد ساعدت في نشر الثقافة "أونلاين" وتحية إلى لجان المجلس الأعلى للثقافة التي وظفت الثقافة الرقيمة لتصل إلى الناس في شتى بقاع الأرض.
• مختتم الكلام
قال شوقي على لسان ليلى في مسرحيته "مجنون ليلى":
نَجْدٌ غدا يُطْوَى ويفنى أهلُهُ
وقصيدُ قيسٍ فِيَّ ليسَ بفانِ