عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

خارج السطر

 

 

 

 

ليس للإنسان إلا ما سعى، ويقيناً إن سعيه سيرى، ثم يجزاه الجزاء الأوفى. يموت الناس حتماً، جبراً، حقاً، وصدقاً. لا مناورات للهروب، ولا وساطات للإفلات، ولا استثناءات لبشر.

لا يصدمنى رحيل الأطياب والأغراب، اللصوص والنبلاء، الظالمين والمظاليم، فالكل إلى هذا المصير شاء من شاء وأبى من أبى. لكن تصدمنى قسوة القلوب، وتحجر المشاعر، وتردى الأخلاق، وخفوت النبل الإنسانى، فكأن بلادى ما هى بلادى، ولا ناسى هم ناسى.

قبل أيام رحل ثعلب السياسة، ورجل الإعلام، النافذ، المحنك، صفوت الشريف، وكان أسوأ ما فى الأمر ردود فعل الناس وتعليقاتهم من خلال العالم الافتراضى، ليشيع الرجل باللعنات، ومساوئ الذكر والشماتة، ويغلب على الناس خلق التشفى والانتقام واللا تسامح.

تغير الناس فصاروا أميل لتمنى الشر، وأبعد عن طلب المغفرة، وأعجل عن تذكر حسنات شخص ما مر أمامهم.

كان صفوت الشريف مسئولاً عن أوضاع سيئة، فساد سياسى، مسرح زائف، تدهور إدارى، تجمد ديمقراطى، إهمال جسيم، ربما كل ذلك صحيح، لكن كل هذا لا يعنى أن يتحول الناس لوكلاء لله ليحكموا عليه بالجحيم والعذاب، ويشيعوه بأقذع النعوت وأحط الأوصاف.

إنه من المؤسف والمثير للاشمئزاز أن أسمع تعليقاً لموتور يقول فيه إنه سيبنى باراً باسم الراحل صدقة جارية ضد روحه ليزيد فى أعماله سوءاً، وأن يرسم آخر صورته فى الجحيم إلى جوار راقصات ومجرمين. أن نختطف رحمة الله فنمسك بها ونوزعها حيث شئنا، وأن نشمت فى أمر سنصير إليه حتماً وهو الموت، فذلك فساد أخلاقى يحتاج إلى أن نراجع بقايا الإنسانية فى ذواتنا.

من يدخل فى علم الله، ويعرف مقدار رحمته؟ من يعلم الحقيقة والضرورة، ويجازى عليها سواه؟ وهل هناك يقين فى تصرفات شخص أو نهايات إنسان؟ إنه الحقد الأسود الذى تراكم فى نفوس الناس فكرهت التراحم ونبذت التسامح واستحبت القسوة.

صفوت الشريف، عمر سليمان، محمد مرسى، حسنى مبارك وغيرهم علمهم جميعاً عند بارئهم، نسأل الله لهم ولكل بنى الإنسان رحمات الخالق، لكننا ننتقدهم ونحاسبهم ونقيمهم بعلم التاريخ وحده، ولا نزيد، ذلك هو خلق الإنسان الرحيم الراجى رحمة ربه، وكان هذا خلق المصريين الأوائل الذين ترحموا على كل غارب، وتذكروا محاسن الماضين.

إن الشاعر النبيل أحمد شوقى يقول فى شعره «محا الموت أسباب العداوة بيننا / فلا الثأر ملحاح ولا الحقد ثائر».

أتذكر حكاية أوردها الحكاء العظيم ابن كثير فى كتابه «البداية والنهاية» تقول إنه لما احتضر الحجاج بن يوسف الثقفى، دعا الله قائلاً «اللهم اغفر لى، فإنهم زعموا أنك لا تفعل»،  وكان الحجاج معروفاً بجبروته وشره وعنفوانه وسوء سلوكه، وكان خلال حياته محط لعنات الناس جميعاً. وعندما نقلوا الحكاية للعالم الورع الحسن البصرى، سأل محدثيه إن كانوا قد سمعوا الحجاج بالفعل يدعو بهذا الدعاء، فقالوا له: نعم، فقال لهم: والله إنى لأظن أن الله سيغفر له.

أما الشاعر أبونواس، فقد عاش عمره بين اللهو والتيه يعبر من متعة إلى أخرى، ولما حضرته الوفاة أوصى أن يكتبوا على قبره ثلاثة أبيات من الشعر ختمها بقوله «تعاظمنى ذنبى فلما قرنته.. بعفوك- ربى- كان عفوك أعظما»، وقال الشاعر أبوالعتاهية تعليقاً على ذلك: «والله إن لى عشرين ألف بيت شعر فى الزهد والتقوى، ووددت أن يكون مكانها هذه الأبيات الثلاثة».

فأحسنوا الظن بالله..

والله أعلم.

[email protected]