عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

رغم أننى قرأت الكثير عن فترة حكم محمد على التى تمثل محطة فاصلة فى تاريخ مصر حتى تصورت للحظة أنها تكاد أن تصبح مجالا لتخصصى الدراسى، إلا أن الصديق عماد الغزالى رئيس تحرير جريدة القاهرة فاجأنى من خلال كتابه «حكايات من زمن الوالى» الذى صدر مؤخرا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بتقديمه لجانب مجهول من هذا التاريخ ربما لا يعرفه الكثيرون.

وأهمية الكتاب، الذى يعبر عن شغف مؤلفه بالتنقيب فى ثنايا التاريخ أنه يقدم ما يمكنك اعتباره التاريخ غير الرسمى لحقبة محمد علي، الذى تكاد معرفة الكثيرين به تقتصر على كونه بانى مصر الحديثة رغم أن البحث الرصين يمكن أن ينتهى بنا إلى نتيجة مغايرة، أو أن هذه المعرفة لا تمثل الحقيقة الخالصة!

ورغم محورية دور«الباشا» إلا أنه ليس هو الشخصية الرئيسية موضوع الحكي فى الكتاب، فمحور التركيز فى الكتاب، كما يشير المؤلف، هم شخوص لم يكونوا فى قلب المشهد لكن تأثيرهم فيه كان بالغا كما أن صياغته من دون الإشارة إليهم وتتبع مصائرهم والاحتفاء بوجودهم ينقصها الكثير.

وعلى هذه الخلفية يمكن تفهم دعوة المؤلف لقارئه بعدم اعتبار كتابه زيارة جديدة للتاريخ وإنما نزهة فى سنوات حكم محمد على.. قراءة محبة لفترة بالغة الأهمية فى تاريخ المحروسة نقلتها من عصر إلى عصر بفضل همة والي وجسارة شعب، حسب رؤية الغزالي.

وعلى ذلك وضمن تلك النزهة التى تمثل أفضل وصف لمضمون الكتاب، تلتقى كوشك هانم التى تمثل سحر الشرق حيث يعرض المؤلف جانبا من حكايتها والتى كان شغفه بها سبب إنجاز الكتاب.. تلك السورية التى وفدت إلى مصر واحترفت الهوى إلى أن أصدر محمد على فرمانا بطرد الغوانى من العاصمة حيث انتقلت إلى إسنا، وربما كان ولع الأديب الفرنسى فلوبير بها وإشارة ادوارد سعيد إلى ذلك الأمر السبب الرئيسى فى دخول «كوشك» ثنايا التاريخ غير الرسمى لفترة حكم محمد علي.

ورغم كل ما نعرفه عن رفاعة الطهطاوى الذى يمثل أحد أعلام فترة النهضة المصرية فى بدايات القرن التاسع عشر، إلا أن الغزالى يعرض لنا موقفا غريبا تعرض له الرجل حين وجه له طالب تركى صفعة على وجهه حين كان ناظرا لمدرسة الألسن وأراد مدير المدرسة أن يطرمخ على الموضوع مراعاة لجنسية الطالب فيما أصر الوالى على معاقبة الطالب وتنفيذ القانون بحذافيره وأن يجلد ٣٠٠ جلدة ثم يطرد من المدرسة.

وحتى لا تتكون صورة خاطئة لدى القارئ عن عدالة محمد على يشير المؤلف إلى أن ذلك الموقف لا يمكن القياس عليه؛ ففى مواقف مماثلة تصرف الوالى بطريقة مغايرة منتصرا لبنى جلدته من الألبان أو العناصر المميزة من الموظفين الأتراك وغض الطرف عن أخطائهم.

وفى صفحات الكتاب يمكن لك أن تتابع قصة بوغوص باشا الذى تولى قلم الترجمة ووزارتى المالية والخارجية فى زمن محمد على وكان واحدا من القلائل الذين حظوا بثقة الوالى حتى أنه لم يحدد له راتبا ولكن الرجل بسبب ممارسات الخديوى عباس حين تولى منصب كخيا مصر شعر بالإهانة ومات كمدا وإن لم ينس محمد على فضله فأمر له بجنازة عسكرية وقداس مهيب.

وإذا كان الكتاب يحتشد بالحكايات التى تشير إلى ملامح من زمن فترة حكم محمد علي، فلا يمكن أن تتركه دون أن تشعر بالأسى على حال شهبندر التجار محمد المحروقى الذى كان له فضل كبير فى وصول محمد على إلى الحكم، فيما أن هذا الشهبندر صاحب التجارة الواسعة والثراء الفاحش لم يقنع بما لديه ويطمع فى إرث فتاة يتيمة لولا أن تصدر له الشيخ محمد المهدى مفتى الديار فأفسد خطته.

والكتاب، بعيدا عن الاتفاق أو الاختلاف مع نهج مؤلفه فى سرد بعض الحكايات، يبقى كتابا ممتعا أتصور أنه يمثل اضافة جديدة فى محاولة الاقتراب من فترة مهمة من تاريخ مصر.

[email protected]