عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

هموم مصرية

 

 

 

أكاد أقول إن المصريين هم وحدهم من تغنى بالنيل.. ومن آلاف السنين، وهم - وحدهم - من اعتبر هذا النهر.. بحراً.. هكذا كان المصرى - ولا يزال - ينظر إلى هذا «البحر الواسع»: بحر النيل.. بل إن البلد التى ينبع منها هذا النهر فى الحبشة لا يطلقون عليه اسم النيل.. بل هو عندهم اسمه: آباى الكبير.. ولقد غمر هذا النهر - من المنابع الاستوائية - 11 دولة، ولكنهم هناك لم يتعاملوا مع هذا النهر على أنه مجرد نهر.. بل هو الحياة نفسها، وإذا كان هذا النهر عندما يزيد فيضانه، كان يدمر ويهدد فإنه بمجرد أن يصل مصر كان المصريون يعشقونه، أليس هم من اعتبروه «ذهب خالص» ووصفوه بأنه تبر سائل بين شطين.. وهكذا كان فى أشعارهم عندما وصفوه بأنه تبر.. والتبر هو أصل معدن الذهب وما مياه فيضانه إلا عبارة عن ذهب سائل ينساب بين شطين.. وحتى عندما أبدع شاعرهم الكبير حافظ إبراهيم أطلقوا عليه اسم شاعر النيل، ليس لأنه ولد على ظهر مركب كانت تنطلق فوق مياهه.. ولكن من كثرة ما تغنى هو بهذا النيل.

ثم هم من تغنوا به وهو ينطلق ليقطع آلاف الكيلو مترات حتى يصل إلينا - فى مصر - ولذلك قال عنه الشعراء: يا حلو يا أسمر.. أى تعاملوا معه كإنسان.. وليس مجرد مصدر للمياه.. بل هو الحياة نفسها.. وهكذا كان انفعالنا بهذا النهر.

11 شعباً مر بهم هذا النيل.. فلم يتغن به غير المصريين.. الذين تركوا لنا أعذب الأغانى وأرق الألحان، وتذكروا كيف تعامل كل المصريين مع الفيضان من آلاف السنين.. بالذات عندما يرتفع منسوب مياهه - وهو فى قمة الفيضان - فيما عرفناه جميعاً بفتح الخليج.. بل قبل ذلك - أيضاً - عندما يجيء وقت الحساب فيقسم المصرى - وهو بين الآلهة - بأنه لم يلوث ماء النيل.. واسألوا: كم نهراً فى العالم.. يحظى بمثل هذا التقديس الذى تغنى به كل المصريين.. وعندنا آلاف القصائد والأشعار؟!.

وتخيلوا شمس الأصيل وهى ترافق هذا الذهب الذى ينساب بين حواف هذا النهر.. حتى إنهم يرون أن مشرق الشمس يأتى من الشرق، ولذلك أقام المصريون بيوتهم شرق هذا النهر.. لأنه يرمز بأن بيوت الحياة الدنيا تنبع من شرق النيل.. فإذا جاء موعد الرحيل.. أقاموا بيوت الآخرة أى مقابرهم، غرب هذا النهر.. فالنهر هنا يرمز للحياة.. وللنهاية أيضاً.

لذلك بنى المصريون مدن الحياة الدنيا شرق هذا المجرى.. فلما جاء موعد الموت جعلوا مقابرهم.. غرب هذا المجرى الذى تنساب فيه جدائل الذهب.. أى كل حياتهم الأرضية وما بعدها - أى الموت - تنطلق من هذا النهر.. هذا البحر بما يحمله من ذهب خام يسيل - بديلاً - للمياه بين شطيه.. هل رأيتم شعباً يتعامل مع نهرهم.. كما تعامل كل المصريين؟!.