اجعلوا للمعارضة شيئا

ما يجرى فى مجلس النواب الجديد من سحب حزب الأغلبية لأدوار المعارضة داخل البرلمان، وأخذ زمام مبادرات استدعاء الحكومة ومحاسبة الوزراء، واستدعاء المسئولين وذبحهم صباحا، ثم استكمال الوليمة مساءً على شاشات الفضائيات ليس من السياسة فى شيء، ولم نشاهده فى أى نظام ديمقراطى حقيقى، وما هو سوى استنساخ لما كان يفعله زكريا عزمى فى برلمانات ما قبل 25 يناير.

لا أميل إلى الأوصاف الإنشائية أو التصنيفات الهجومية فى المطلق، ولكن ما يحدث ليس له وصف سوى أنه ضحك على الذقون.

الأصل فى الديمقراطية أن يتشكل البرلمان من أغلبية ومعارضة.. الموالاة أو الأغلبية دورها هو الدفاع عن الحكومة التى شكلتها أو شاركت حتى فى رسم سياستها - وهذا لا ينتقص من الأغلبية - والمعارضة فى المقابل هى من تبحث عن النواقص فى أداء الحكومة وتعطى البديل الأفضل لهذا الأداء الحكومى من خلال برامجها.

أما ما نشاهده الآن من استدعاء الحزب صاحب الأكثرية للوزراء ومحاكمتهم بل وتوجيه أقسى التهم إليهم كما حدث مع وزير الإعلام مثلا فهو مشهد غريب، وسيطرح أسئلة كبرى بعد ذلك حول لماذا يتم استهداف هذا الوزير أو غيره وعدم المساس بالآخرين، وأيضا سيعطى مبررًا أقوى للمعارضة والمستقلين لاستهداف وزراء آخرين لا يقترب منهم حزب الأغلبية.

نحن لا نخترع العجلة، والديمقراطية قواعدها واضحة تسير بقطارين هما الأغلبية والمعارضة وفى اتجاهين وإذا تقابلا فحتما هو الصدام، وإذا أخذ قطار منهما قضيب الآخر فهو تعطيل آليات الديمقراطية عن عمد وإلغاء القطار الآخر تمامًا.

إذا كنا نتحدث عن توافق فى هذه المرحلة المهمة فالتوافق لا يمكن أن يحدث بين طرفين أحدهما يأخذ كل شىء حتى الدور الوحيد للمعارضة.. التوافق يكون على أرضية وطنية وإذا كنتم كأغلبية ترون أن استجواب الوزراء ومحاسبتهم لم يعد خيانة أو أجندات أو تعويق لأداء الحكومة فاتركوه للمعارضة الوطنية تحت القبة، وتفرغوا أنتم للمناصب التنفيذية والبرلمانية، وأظن أنها قيمة عادلة وترضى الشارع الذى اختاركم وأنتم حزب موالاة، واختار الآخرين وهو يعرف أنهم معارضة.

التحذير واجب من الاستمرار فى هذا النهج الذى نراه على مدار الأيام الماضية ويجب أن يتوقف سواء كان حماسًا فرديًا من النواب، أو سياسة وضعها الحزب لكى يسير عليها.