رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

ضوء فى آخر النفق

 

 

- فتيات مليحات.. سمروات نحيلات رشيقات.. وبيضاوات بضات متختخات.. وجوههن نظيفة.. رغم أنهن يسرن فى الشوارع لأكثر من ١٢ ساعة يوميًا تقريبًا. لكن ملابسهن ليست كذلك.. «لزوم الشغل طبعًا».. إلا فيما ندر.. فها هى إحداهن تجلت لى بكامل أناقتها، وحتى حذائها لم يكن من نوع الكوتشى موضة هذه الأيام، التى لسعت أدمغة الجميع، وشغفت به الفتيات والسيدات. بدا لى حذاؤها جميلًا.. يضفى على قدميها نوعًا من السحر.. كعبه يرتفع حوالى ٥ سنتيمترات عن الأرض؛ رأيته وأنا أصورها بعينى اللاقطة المتفحصة لها، من فوق لتحت.. نعم فعلت.. لأكتشف من هذه السمراء المليحة الرشيقة الفارعة الطول الممتشقة القوام، التى لايزيد عمرها على ثلاثين عامًا؛ فاجأتنى تمامًا.. قالت: لله يا محسن!

- كل هذا الجمال يتسول! يبحث عن بضعة جنيهات تنقدها لها.. تمزق قلبك وتدغدغ عواطفك وتضغط على إنسانيتك.. حتى تقضى وطرها منك.. تأخذ منك النقود ولا تعرف الاكتفاء. تنتهى منك ثم تبدأ بمن يليك.. على الفور ومن دون أن تأبه لك أو لعينيك اللتين ستطاردانها حتى تغيب عن ناظريك.. لتذهب إلى شخص آخر.. قد يكون معك.. أو بجوارك.. أو خلفك.. هى لا تستحى منك ولا من غيرك.. فمن يستحى فى مهنة التسول لن ينجب منها المال. لقد اعتادت أن «تكشف وشها» وتتبجح فى طلب الجنيهات ممن تتوسم فيهم القدرة على الدفع، وحتى من لا تتوسم فيهم، فكما يقولون لعل وعسى. الهدف التالى لى حاورها بعصبية قائلًا لها: «ليه بتشحتى وأنت جميلة وتقدرى تشتغلى»؟ هل بوغتت؟ أبدًا! لقد تابعت مسيرتها بكل ثقة!

- عند الأكمنة تحاصرك عصبة التسول وكأنها عصبة الأمم، تنقض عليك بقراراتها الجهنمية التى قد تنتقص من سيادتك أو تسلبك إياها سلبًا كما فى العراق زمن صدام مثلًا.. جحافل المتسولين والمتسولات.. الأشداء منهم والضعفاء، من يحملون أدوات التسول (الكلينكس الصغير أو المقشة الكبيرة.. الكرسى المتحرك والطفل المعاق الذى لايملك لنفسه حولًا ولا طولًا وهو يقتاد من كمين لآخر حسب أجندة «المِسَرحاتى الكبير»، والشاب الطويل ذو الأكف المقطوعة وكأنها طبق عليها الحد، وذو الساق المبتورة أو التى تدرب على إخفائها فى جسده).. كلهم بأدواتهم تلك ينتظرونك عند أكثر مناطق الطرق ازدحامًا.. بحيث لا تسطيع منهم فكاكًا.. حصارهم محكم.. يستلب روحك قبل نقودك.. أنت أمامهم فى اختبار كريه: أن تكون عاطفيًا خيرًا وتعطى وتمنح، أو أن تكون عاقلًا فلا يتأثر وجدانك بهذا الكوكتيل من الأكاذيب. ينشطر فؤادك نصفين، ويتصارع عقلك مع إنسانيتك، خصوصًا عندما تصدم فى اليوم التالى بأنك أُسْتُحمِرتْ إلى أقصى حد.. وأن هذه اللوحات التى تبدو بائسة لعينيك إنما هى كلها وجوه ترتدى أقنعة براءة كاذبة.

- آخر أنباء القبض على المتسولين كانت لسيدة فى العقد الخامس، رزقت من التسول خمسة عقارات فى محافظتين وملايين أودعت فى بنكين! هذه الخمسينية مختلفة عن المليحة العربية التى راودتنى عن محفظتى وأموالى! فالأولى كانت واضحة الرجاءات والثانية كانت متخابثة مخادعة.. تجلس على كرسى متحرك وتدعى أن ساقها مبتورة، وبعد أن «تتعشى» من أموال المحسنين، تُشَاهد وهى تطويه ثم تعدو كالحصان الرابح.. فتعيش حياة الميسورين! يا إلهى كم نحن مُستحْمرون؟

- هذا الحصار أبدى لا نهاية له.. مثل نفق مظلم لا ضوء فى آخره!