رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

بعد ساعات ننتقل بأجسادنا وحواسنا من زمن لآخر، ننزل من عربة 2020 لنستقل عربة 2021، والسؤال الذى شغل الفلاسفة طويلًا: ما هو الزمن، وهل ما يتعلق بالزمن مسألة فلسفية أم فيزيائية؟ يقول عالم الفيزياء الإيطالى كارلو روفيلى المتخصص فى «علم الجاذبية الكمى والحائز على جائزة نوبل: الزمن هو الغموض الذى أزعجنا دائمًا، وآثار فينا المشاعر العميقة، ربما لأنه، كما قال بوذا: إن نفورنا من التعامل مع حقيقة عدم الدوام هو أساس معاناتنا».

أعتقد أن غموض الزمن له سحر الغواية لعشاق الحياة وحرية العقل الذى لا سلطان فوق سلطانه، أما الذين بنوا أمجادهم داخل غرف النوم فإنهم فى كهوفهم خارج الزمن.. الذين استسلموا لجبروت التخلف يعيشون نيامًا فى عالم موازٍ يشبه الزائدة الدودية الفائضة عن حاجة الجسم.. هؤلاء أجروا جراحة دينية استأصلوا بموجبها العقل وزرعوا مكانه ديناصورًا خرافيًا اسمه «النقل» رغم أن الحقيقة شأن علمى ولم تكن شأنًا دينيًا على الإطلاق.

هؤلاء لا يشعرون بحريتهم إلا مع العبودية التى تعفيهم أعباء التفكير وعناء التجربة، هنا تتساوى الحياة بالموت والزئير بالشخير والتفكير بالتكفير.. التخلف حالة نوم، والنوم بروفة موت، والموت نوم طويل مفتوح بلا نهاية.. عشاق الحياة يرقصون ليلة رأس السنة ويعصرون الحب والبهجة فى كئوس أمانيهم.. أما جمهور غرف النوم فإنهم يرقصون ليلة رأس السنة رقصة الموت، وفى عز نشوتهم الفاضحة يخيل إليهم أن قميص الحرير والبوبيون الأحمر سيمنحونهم صك الوجود.. يقول الرائع محمود درويش فى مؤلفه «حضرة الغياب»: صحيح أن التخلف خرج من غرفة النوم لكنه يجلس فى الصالون وفى كل الغرف ولم يغادر المكان بعد.

المنتمون لحزب العقل أضاءوا مسافة الزمن بين الحياة والموت بالعلم، أما المنتمون لممالك النوم فقد زرعوا المسافة بين الحياة والموت بشواهد القبور وبالهروب من فوق قضبان المنطق، مفضلين التيه فى صحارى اللا وعى.. حلم الأبدية والخلود طحن الروح المصرية والعربية وهيأها للتسليم بأن كل شىء قدر.. الموت والغنى والفقر والحرية والاستبداد والفرح والألم، كلها وغيرها قدر ونصيب، ولا جهد للإنسان فى تحديد مصيره.. هذا المصير بيد الأب والمدير والوزير والسلطان والإمام.. طبيعى أمام هذا المشهد المأساوى أن يفقد الزمن قيمته ويتحول إلى سكون يصرخ بالمآسى.. المقادير الوهمية للفقر والتخلف أقامت متاريس أعاقت حياتنا كلها حين تعطلت آلة العقل وشاخت فى طفولتها لأنها ببساطة لا تقبل التجريب ولا تعترف بالبرهان، وهنا فقدت وظيفتها وهويتها وتحولت إلى خردة فى مخازن التاريخ المهجورة.. تصوروا مخزنًا مهجورًا تتكوم به جماجم أمه!!!

بين شهوة العينين وصبوة الشفتين مضت حياتنا سلسلة من الاختباء والتلصص وسرقة الفرح فى غفلة من وحش مفترس ومغتصب لبراءة الفطرة، اسمه «المجتمع»، وكما قال أستاذنا أنيس منصور «أقبح المجتمعات هى التى لا يستطيع الإنسان العيش فيها على طبيعته».. ولأن الشوارع تحولت إلى مقابر تلهث بمن فيها وحولها فلم يعد مطروحًا على الناس ترف الحلم بجمهورية للعقل والحرية أمام شبق الجميع باحتقار الحاضر والتنكر للمستقبل لصالح جمهوريات التراث.. نحن أشبه بمشيعين يتقدمهم ميت، باستطاعته رسم خريطة الطريق إلى مكان النهاية.. أحياناً أتصور أننا لسنا بحاجة للخوف على مستقبل النهر الخالد لأن الدمع المختبئ تحت سطح الكلمات كفيل حين يطفو ويفيض أن يعيد للنيل عز فيضانه.. بعد ساعات سيدق قاضى الزمن فوق سطح أمانينا معلنا عن عام جديد، حيث لا يملك الضعفاء إلا الدعاء بأن يكون عام خير وبركة، أما الأقوياء بحرية المعرفة فإنهم يرقصون فرحًا للحظة هى لحظتهم، ويتمايلون نشوة رهانًا على خيرات العقل القادر على الفيض بمائه وعسله.. وحين تشتد الأزمات وتشتعل الحرائق فلا تنتظروا أن تكون النار بردًا وسلامًا على أحد إلا بعظمة التفكير الحر، ونسيم الأخلاق.. مشكلة البشرية اليوم أن لديها فائض علم ومعرفة، ونقصًا هائلًا فى رصيدها من الأخلاق.. وفى كل الأحوال فهذا الوضع أفضل حالًا ممن حرموا النعمتين «عظمة العلم وفضل الأخلاق».