رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

أحب الإماراتيين من كل قلبي، ولِم لا وقد عشت فترة مهمة من عمري بينهم، ولِم لا وقد دخلت بيوت العديد منهم وأكلت على موائدهم «عيش وملح». قد تعتبرني أبالغ إذا قلت لك إنهم أطيب شعوب الأرض، ولكنك لو تعاملت معهم فستخرج بالنتيجة ذاتها.. فهم شعب متسامح، كريم، به من الصفات العربية الأصيلة الكثير.. النخوة، الشهامة، المروءة، الوقوف إلى جوار الأخ والصديق.

على هذه الخلفية نمت لديّ ما يمكن وصفه بمشاعر الغيرة على هؤلاء الإخوة، بمرور الوقت من العمل في الإمارات لاحظت أنهم يكادون أن يصبحوا أقلية في وطنهم، بفعل تزايد إقدام الوافدين من كل أصقاع الأرض للعمل على أرضهم، للدرجة التي يمكن معها القول عن حق بأن الإمارات من الدول المحدودة من بين دول العالم التي تضم بين جنباتها كافة جنسيات الدول المنخرطة في الأمم المتحدة.

ومع ظهور ملامح هذا الوضع بشكل بارز في كافة مناحي الحياة تحول اهتمامي من المراقبة إلى محاولة الإدلاء بدلوي في الأمر رغم ما في ذلك من نشوز باعتبار أنني في النهاية لست إماراتيا. كنت ثالث ثلاثة في جريدة البيان التي عملت فيها في دبي ركزوا على الدعوة إلى المزيد من الاهتمام بقضية التوطين، بمعنى إيلاء المواطنين الإماراتيين الأولوية في العمل والوظائف لسد الأبواب أمام العمالة الوافدة التي تهدد بتغيير التركيبة السكانية للدولة. كان يبهرني الأستاذ عبد الحميد أحمد مدير التحرير آنذاك بما يكتبه مازجا بين الجدية والسخرية من الحال التي قد تؤول إليها بلاده على نحو قد ينقرض معه المواطنون هناك. وكانت تعزف على النغمة ذاتها الكاتبة التي تشع وطنية في مقالاتها بالصفحة الأخيرة من الجريدة عائشة سلطان إبراهيم وكان عزفها أكثر زعيقا وأكثر حدة حسرة على وضع لا تستطيع تغييره.

وكنت أنا العبد لله الغريب الذي تنذرف الدموع من مقالاته على حال التوطين، حتى أن لسان حال بعض القائمين على التحرير من المواطنين كاد أن يعرب عن دهشته أو استيائه .. أو الاثنين معا! حاولت العزف على نغمات عديدة للاقتراب من الموضوع، لدرجة أنني استدعيت ابن رشد من أعماق التاريخ لتناول الموضوع رغم أنه لا صلة من قريب أو بعيد بالأمر، استخدمت الرئيس الفلسطيني الراحل عرفات في الإشارة الى جانب من أبعاد القضية.

كان كل همي، مخلصا لا مدعيا، التنبيه إلى أخطار هذه الظاهرة، والتي كنت أرى أنه يغيب عنها ما اعتبرته «إرادة التوطين»، تحاشيا من الوصول إلى مجتمع الصفر في المائة مواطنون، وهو منحى أشار إلى أحد نتائجه الكارثية دون أن يقصد الكاتب الأيرلندي أندرو هاموند في كتاب قمت على ترجمته بعنوان «كيف ينظر العرب لأمريكا» حين ذكر أنه لو أخذت الإمارات بالديمقراطية بين مواطنيها ووافديها لتولى الهنود مقاليد الحكم.

زاد من شعوري بالخطر في تلك الفترة قراءتي لكتاب أصدره المفكر الأمريكي الراحل صموئيل هنتنجتون بعنوان «من نحن» وفيه راح يعرب عن فزعه من الأخطار التي تحيط بالهوية الأمريكية جراء تزايد نفوذ المكسيكيين في الجنوب واكتساح الهوية «الهبسبانية». كان الهاجس الذي جال في خاطري آنذاك إذا كان هذا هو الحال الذي يتخوف منه هنتنجتون على بلاده التي تتهم بتصدير هويتها إلى الإنسانية بأكملها، فكيف يمكن أن يكون الحال بالنسبة لدولة صغيرة كالإمارات تفتح ذراعيها لكل وافد وغريب مهما كان دينه مسلمًا أو مسيحيًا أو بوذيًا – لم يكن اليهود من بين هؤلاء–أو لونه أو جنسيته – لم يكن الإسرائيليون من بين هؤلاء، وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على مفهوم الهوية بين أبنائها؟ لعله بقدر حبي لذلك البلد العربي الذي اعتبرته بلدي الثاني كان خوفي أن ينسلخ أو تدفعه الظروف للانسلاخ عن هويته العربية! لغة أو توجهات أو قيما .. ! كان إيماني بهذه الرؤية يتزعزع بفضل تقديري لقيمة غرس زايد الخير وأنه بفضل هذا الغرس ستبقى هذه الدولة كما أرادها مؤسسها.. ولكن لله في خلقه وأحوال البشر شئون.. اللهم احفظ الإمارات.

[email protected],com