عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على فكرة

لم أهتم قط بمتابعة مباريات كرة القدم، إلا إذا كان الأمر مرتبطا بمنافسة المنتخب الوطنى أو أى منتخب عربى، فى المباريات الدولية. وساعتها،  ينحصر اهتمامى فقط على معرفة النتائج،  دون الحرص على مشاهدة التفاصيل. وبرغم أننى كنت أشعر ببعض العزلة عقب كل مباراة، سواء فى بيت أبى بين أخوتى الشباب،  أو فى أماكن العمل، حيث يمتد النقاش طويلا،  عن مستوى اللاعبين وطرق تسديد الأهداف،  أو أسباب العجز عن تسديدها والاصابات والخيانة والبراعة،  ونزاهة الحكام أو فسادهم، فلم يساهم كل ذلك فى  حفزى على الاهتمام بمتابعة مباريات كرة القدم. 

لكن الذاكرة تحمل طيفا من الذكريات الطريفة، حول طقوس أخوتى فى مشاهدة المباريات،  حيث تزدحم  غرفة التليفزيون  بالأصدقاء  لمشاهدة المباراة،  يملأون المقاعد ويجلسون على الأرض، ويعج البيت أنذاك  بالضجيج بالهتاف والصراخ  وصيحات التحسر والتعجب والدهشة،  وأحيانا بالمشادات. 

 فى إحدى تلك  المباريات فرح أخى الأصغر بهاء و أخذ يدبدب بقدميه ويهلل بصوته،  لأن  فريقه المفضل،  سجل هدفا  فى مرمى الخصم، بدا له مستحيلا،  وتفسيرا منه لمعنى الهدف وقيمته الرفيعة،  قاده الحماس الانفعالى، لأن يضرب صديقه الحميم  الجالس  أمامه والمتحمس للفريق الخصم  على قفاه. قامت الدنيا،  وغطى الشجار على متابعة بقية المبارة، ولم يهدأ برغم اعتذار  بهاء المتكرر له،  إلا بمغادرته للمنزل وتعهده بمقاطعة بهاء إلى الأبد،  مع أنه كان صديقا ودودا  لنا جميعا.  بعد أيام، التقيت ذلك الصديق فى الطريق العام، ولمته أن يفرط هكذا ببساطة  فى صداقة العمر. لكن ما أدهشنى وأضحكنى فى أن معا ، التبرير الذى ساقه إلى الغضب، إذ قال لى: 

-بهاء ضربنى على القفا،  لو أنه صفعنى على وجهى ما غضبت! 

معنى ما سبق، أن الصفعة فى حد ذاتها ليست  المشكلة ولا مبعث الغضب،  بل مكانها . تركته بعد أن حدد لى موعدا قريبا لزيا رتنا . ومشيت فى الطريق العام وحدى أقهقه وأضحك على السذاجة وطيبة القلب،  حتى ظن المارة أننى فتاة بالهاء . وصار منذ لك الحين هذا الصديق الصافى النفس والطوية، حين يقدم نفسه  لآخرين أو فى محادثة تليفونية يقول مازحًا  بسخرية محببة: أنا بتاع القفا!  

فى تلك الأجواء سمعت للمرة الأولى عن  « مارادونا « الذى لقب بعد جلبه كأس العالم لبلده  ألأرجنتين عام 1986 بلاعب القرن، و وصفه محمود درويش بأن له وجه طفل،  وجه ملاك ، له جسد الكرة، له قلب أسد،  له قدما غزال عملاق،  وتساءل حينما قررمارادونا  الاعتزال: مع من سنسهر،  بعدما أعتدنا أن نعلق طمأنينة القلب،  وخوفه على قدميه المعجزتين؟ 

لم يلج « مارادونا «عالم السياسة بمعناه الاحترافى  ، لكن  شخصيته  تمتعت بروح  العدالة والإنصاف  بما قربه من أفكار المناضل اللاتينى جيفارا وصداقة الزعيم الكوبى فيدل كاسترو،  وجعل منه محرضا اجتماعيا يرفض الظلم الاجتماعى والسياسى،  ويناهض النهب الاستعمارى للدول الصغيرة، والقمع الذى تمارسه السياسة الأمريكية ضدها، ويرتدى الكوفية الفلسطينية فى أحد الملاعب،  ويقول للرئيس أبو مازن فى لقاء معه أنا فاسطينى.. قلبى فلسطينى  ويقول عنه لدى الرئيس عباس دولة وحق، ليغدو بذلك أيقونة شعبية توقد جذوة الحماس والثقة فى النفس للأجيال التى عاصرته. 

يقول ماردونا :أنا من اليسار .. مع تقدم بلدى لتحسين معيشة الفقراء،  وليعم السلام والحرية على الجميع .. نحن لا يمكن شراؤنا .. نحن يساريون بأقدامنا وبأيدينا وبعقولنا ..إننا نقول الحقيقة  ..نريد المساواة ،ولا نريد أن يرفع العلم الأمريكى فوق رؤوسنا . 

لهذا فهمت معنى الكلمة التى قالها وهو يبكى بحرقة،  شاب أرجنتينى فى وداع جثمان مارادونا: 

بموته،  ماتت الأرجنتين .نريد ابطالًا مثله يقولون الحقيقة ويتحدثون باسمنا.