رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

تدعى معظم التيارات الفلسفية المعاصرة أنها فلسفات علمية؛ فالفلسفات التحليلية باختلاف مناهج أصحابها وتنوع اهتماماتهم تدعى بأنها علمية، وذلك لأنها سعت إلى هدم المذاهب الفلسفية الكبرى وشككت فى تماسكها النظرى بإفراغ وتحليل ما بها من مصطلحات وكشف غرابتها وعدم تعبيرها عن الواقع بأى حال واكتفى هؤلاء التحليليون كل حسب اهتمامه بتحليل مشكلات جزئية متخذين من تواضع العلماء واهتمامهم بالتفسير العلمى للظواهر الجزئية قدوة لهم، والفلسفة الماركسية ادعت أنها علمية باعتبارها الأقرب لعلاج التحولات والظواهر الاجتماعية بما سمته بالمادية الجدلية التى كان من أبرز أفكارها أن التحولات الاجتماعية تتجه بالجنس البشرى  حتما إلى اعتناق المادية الجدلية كمنهج وفلسفة فى الحياة وإلى اعتناق الاشتراكية العلمية على الصعيدين السياسى والاقتصادى.

ونفس الشىء فقد ادعت البراجماتية أيضا أنها فلسفة علمية على أساس أنها قد اتخذت منهجا براجماتيا عمليا لقياس صدق الأفكار وآمن أعلامها جميعا من بيرس حتى وليم جيمس وجون ديوى بنظرية التطور الداروينية وبأن التطور فى الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية يقوم على التجربة العملية للأفكار فما ينفع منها بقى وما لا ينفع منها يتم تغييره على الفور والاستغناء عنه.

والحقيقة أننى لست بصدد تقييم كل هذه الفلسفات التى ادعت العلمية، لأن كلا منها قد أصاب هدفه وتحقق بذلك انتقال الفلسفة من العصر الحديث  إلى هذا العصر الجديد غير المذهبى؛ حيث نقلت هذه التيارات الفلسفية المعاصرة الفلسفة عموما من مجال تغلب فيه النظر والتأملات الميتافيزيقية البحتة على معالجة قضايا الواقع المعاش إلى مجال معالجة قضايا ومشكلات الحياة اليومية. وبالطبع فإن من أهم ما يشغل الانسان فى حياته الاجتماعية المدنية هو السؤال عن أى النظم السياسية أصلح وأيها يتسق مع مبادئ المنهج العلمى؟!

  ولعل من أبرز الاجابات عن هذا التساؤل كانت اجابة الفيلسوف الأمريكى الشهير جون ديوى حيث يقول فى كتابه «الحرية والثقافة» عن الارتباط بين الديمقراطية والعلم  «إن من طبيعة العلم أنه لا يسمح فقط بتنوع الآراء وتباينها فحسب، بل يرحب بها كل الترحيب، وبينما هو يلح - يقصد العلم - فى أن البحث يجعل أدلة الحقائق المشاهدة تؤدى إلى ايجاد اتفاق اجماعى فى النتائج إلا أنه يدع باب النتيجة مفتوحا ومعرضا لما قد يتحقق وينشر  مما يستجد من الأبحاث الأخرى فيما بعد.

أنا لا أدعى أنه قد حدث أن ديمقراطية من الديمقراطيات القائمة فعلا قد استخدمت الطريقة العلمية استخداما كاملا فى اختيارها السياسة التى تجرى عليها، ولكن حرية البحث والتسامح مع شتى الآراء المتنوعة وحرية الاتصال ونشر ما قد نتوصل إليه من الحقائق على كل فرد بوصفه أنه المستهلك الأخير للأمور العقلية كلها موجود فى المنهج العلمى؛ فعندما تعترف الديمقراطية صراحة وعلانية بوجود مشكلات تواجهها وبأن حاجتها إلى سبر هذه المشكلات وفحصها هما مصدر مجدها، عندما تعترف بذلك فإنها تلقى عندئذ بالجماعات السياسية التى تفخر بأنها سترفض القبول بأى آراء مخالفة لآرائها التى تقرها، تلقى بها فى غيابة الخمول والنسيان، وهذا  المصير نفسه هو المصير المقدور على أمثال هذه الجماعة فى العلوم نفسها». ذلك هو مبلغ الاقتران بين قيم وآليات الديمقراطية الحقة التى تنبذ التعصب للرأى والجمود عنده وقيم المنهج وآليات التفكير العلمى السليم الذى وإن انتهى اليوم إلى اقرار تفسير علمى لأى ظاهرة من الظواهر يظل فاتحا المجال لأى أبحاث علمية مستقبلية ربما تأتى بنتائج مختلفة وأكثر اقترابا من اليقين، لكن اليقين النهائى لا وجود له وإلا ما تقدم العلم وما تقدمت معه حياة البشر. ونفس الشىء فى السياسة التى يسودها النظم الديمقراطية الحقيقة؛ فليس لأى حزب أو فصيل سياسى مهما بلغت قوته وسطوته اليوم أن يصادر على المستقبل ويتصور أنه سيبقى فى السلطة إلى الأبد!!

ومن ثم فإن الديمقراطية وليست النظم الشمولية هى الأقرب إلى الفهم العلمى الصحيح لطبيعة البشر. ورهاننا على المستقبل أن تتفهم النظم التى تدعى الديماقراطية وتحاول جر الناس جرا إلى حتمية وضرورة توحد الجميع مع آرائها أن هذا أمر يتعارض مع الطبيعة البشرية التى جبل الفرد فيها على أن يكون حرا ومختلفا عن الآخرين ولابد من أن تفتح أمامه الطرق للتعبير عن رأيه بحرية وأن يشعر بأنه يمارس حياته بإرادته الواعية الحرة.