رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

 

 

الأوبئة مخاطر تصيب الجسد– أما اعتلال النفس فإنه انسحاب مؤلم من الحياة.. أعتقد أن الكثير من المصريين المعاصرين معرضون بشدة لهذه الحالة من السقوط فى دوامة اللا معنى واللا شىء واللاقيمة، ففى كل بيت مصرى تقريباً يوجد «هاملت» يعذبه ضعفه وقلة حيلته، ضعفه أمام بلدوزر الزمن واستسلامه لفكرة القدرية.. هاملت شكسبير أمير الدنمارك يظهر له شبح أبيه الملك فى ليلة ما ويطلب منه الانتقام لمقتله، أما هاملت المصرى فإنه معذب بالاغتراب عن نفسه ويظهر له كل ليلة وكل لحظة شبح يعاتبه على عجزه والشيخوخة المبكرة لأحلامه.. هاملت المصرى ليس أميراً مثل هاملت الشكسبيرى ولكنه– إن جاز التعبير– أمير للفقر والانكسار بعد فقدانه عذرية إنسانيته.. هاملت المصرى كتب عليه أن يعيش حراً– نعم– لكن وسط صمته بين أسوار الدين والسياسة.. حراً فى غربته بين ماضٍ يأبى الذهاب ومستقبل يأبى المجىء.. حراً فى حزنه أن يتسول به على رصيف الحياة أو يبتلعه ويموت مسموماً به..

أعتقد أن مشكلة هاملت المصرى اليوم أنه مع طول عجزه عن تحويل البوح الداخلى إلى فعل خارجى تحول التفكير– إن وجد– إلى آلة زمنية ليست أكثر من «عداد» يحسب الأيام دون مشاركة فى صنع أفعالها، وكلما اتسع الرتق أو زادت مساحة ومسافة اللا شىء غطى هذه المساحة نوع من السراب شديد الخداع..

ولأن مصر كوطن وسكن ارتبط ظهورها باكتشاف المصرى القديم لمجرى النيل فقد أصبح للنيل مجرى موازٍ داخل نفوس المصريين على مر الزمان، ومع انشطار النفوس وتعرضها للعراء قروناً بعد قرون جف النهر الداخلى بنفوسنا قبل أن يهدد نيلنا العظيم اليوم خطر فقدان حصته بالتاريخ والجغرافيا.. المؤكد بالنسبة لى أن مجرى النيل العظيم سيظل يجرى يشق الأرض والزمن فى مصرنا، أما جفاف أنهار نفوسنا فهو الأشد خطراً لأنه يدمر مجتمعاً بأسره ويحوله إلى مقبرة للأحياء.

ومن المفارقات أنه ليس هاملت شكسبير فقط الذى تتجسد مأساته داخل حياتنا ولكن أيضاً بيننا جمهوراً كبيراً يتمثل فيه «دون كيخوت» سيرفانتس المنفصل عن الواقع والباحث عن بطولات فى سراديب الماضى، وأحياناً استنهاض هذه الأوهام من قبور الأولين، وجمهوراً ثالثاً عريضاً بيننا تتمثل به أسطورة سيزيف الذى خدع إله الموت ثاناتوس ما أغضب كبير الآلهة زيوس، فعاقبه بأن يحمل صخرة من أسفل الجبل إلى أعلاه، فإذا وصل القمة تدحرجت إلى الوادى، فيعود إلى رفعها إلى القمة، ويظل هكذا حتى الأبد، ليصبح رمزاً للعذاب الأبدى.

الحقيقة نحن أغضبنا كل آلهة الخير والحب والجمال والحق والعدل والحرية، أغضبناها لأننا عبدنا أصناماً كثيرة، أحياناً من جهلنا وكثيراً من خوفنا وعجزنا، وكان لابد أن نحمل الصخرة ونصعد ونهبط بها.. إنها صخرة الهموم والكذب الطويل على النفس وإنكار العقل والاستسلام لكل واقع يهبط علينا كأنه قدر ومكتوب لا مفر منه..

يبدو أننا جميعاً أقرب ما نكون لشخصية عيسى الدباغ فى رائعة نجيب محفوظ «السمان والخريف» الذى كان يصارع شعوراً قاتلاً بالوحدة واللا انتماء. ويصفه الأستاذ رجاء النقاش بأنه يصفنا جميعاً «كان بحاجة للتخلص من العراء الروحى، هذا العراء القاسى الأليم الذى يعانيه الإنسان عندما لا يكون له فى الحياة فكرة أو هدف أو دور يقوم به عن وعى واقتناع.. عندما لا يكون منتمياً لشىء ما.. عندما تصبح حياته مجرد انتظار للموت.