عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

ما بين الحين والآخر تهب على المسلمين فى أوروبا وفرنسا رياح التعصب ضد كل ماهو مُسلم وعربى، دون تفرقة بين المخطئ والمُصيب وربما جوسلين سيزارى صاحبة كتاب «هل يجب التخوّف من الإسلام؟» أكثر الناس شرحا لهذا المنعطف، حيثُ تقول: «الإسلام الأوروبى مرتبط أيضاً بتعدد الوضعيات والظروف التى تعكس الخصائص السياسية والثقافية لمختلف البلدان الأوروبية، أكثر ممّا تعكس طبيعة الإسلام الواحد». ونفهم من هذا أنّه فى أوروبا الآن ينظرون إلى المسلمين ككلّ كأنّهم كتلة ثقافية واحدة بغضّ النظر عن خلفياتهم العرقية أو خلفياتهم حتى اللغوية. ولكن الازمة الكبرى بالنسبة للمسلمين فى أوروبا والخطأ الشائع، راجع إلى اضمحلال الفكر والثقافة والتعرّف على الحضارة الإسلامية، فكلمة مسلم أصبحت مرادفة لكلمة عربى وكلمة عربى مرادفة أيضاً لكلمة مهاجر، وهذا خلط شائع نسمعه ونقرأه فى وسائل الإعلام والصحافة، وكان على المسلمين ومثقفيهم أن يصحّحوا مثل هذه الفكرة، والتأكيد على أنّ الإسلام والمسلمين ليسوا كتلة واحدة، ينهجون نفس المنهاج ولهم ثقافة واحدة، بل هى متعدّدة، حيث نرى أنّ المسافة الثقافية ما بين مسلم قادم من الرباط ومسلم آخر من جاكرتا شاسعة جداً، ومسلمو فرنسا ومسلمو أوروبا أتوا إلى أوروبا، بخلفياتهم الثقافية والعقائدية وتقاليدهم أيضاً. وفى الحقيقة أن صنعَ هذا التصوّر الخطأ غير الواقعى لواقع المسلمين فى أوروبا رغم أنّهم جزء من مكوّنات هذا المجتمع يرجع إلى تشابك قراءتين. القراءة الأولى آتية من مفهومين مختلفين ما يقال عنه أنّه الاستشراق، فهناك استشراق أكاديمى علمى يهتمّ بالحضارة العربية الإسلامية بمفاهيم جامعية أكاديمية علمية دقيقة، وهناك استشراق كان يهدف ويعمل فى سبيل إرساء الاستعمار على البلدان وعلى المجتمعات والشعوب الإسلامية والعربية منها بالذات. فهذان النوعان من الاستشراق، إذا تركنا بجهة الاستشراق الأكاديمى والعلمى، ونظرنا إلى الاستشراق الهادف إلى إرساء قواعد الاستعمار، سنرى الكثير من الخلط وعدم الفهم لما هو إسلامى وما هو عربى، وإذا أضفنا إلى هذا أيضاّ القراءة الثانية، تخاذل وتقاعس وعدم المعرفة والثقافة لكثيرٍ من رؤساء الجمعيّات الإسلامية فى أوروبا، سنرى الهوّة الكبُرى بين المسلمين من جهة وغير المسلمين من جهة أخرى.

وأكبر مثال على ذلك ما يقوله الفيلسوف الفرنسى رينيه شاتوبريان، الذى وصف الإسلام بالديانة العدوّة للحضارة التى تحضّ فى نظامها على الجهل والاستبداد والعبودية. وفيكتور هيجو، وصف المناضل الجزائرى عبدالقادر بأنّه الحالم الغاضب الجالس على الرؤوس المقطّعة متأمّلاً جمال السماوات، حتى أنّ قاموس لاروس يصف العربى بعرق مُحبّ للقتال مؤمن بالخرافة ولصّ. هذه التفسيرات أو التصوّرات لدى النُخَب شكّلت الوعى الجمعيّ للأوروبين عن الإسلام والمسلمين!.. ولا عجب إذا أن نرى الأوروبيين يهتمون بحضارة الأنكا والمايا، ويتجاهلون تماماً المنمنمات الفارسية وكتب ابن رشد أو ابن سينا أو الفارابى. لذلك يُنظَر إلى العربى والمسلم على أساس أنّه آتٍ لسدّ رمق العيش والعمل، وليست له حضارة، وتكون المحصلة ازدراء فى نظرة غير المسلمين للمسلمين فى أوروبا. وهذا يتفق مع رأى الكاتب الفرنسى المثير للجدل «آلان جريش» من أنّ هذا النمط من التصوير المسلم ما زال قائماً حتى فى كتب التاريخ، وفى المسلسلات والأفلام والروايات. وتلك الصورة موجودة بشكل كبير فى أوروبا وباستثناء إسبانيا حيث إنّ الإرث العربى الإسلامى موجود ولو أنّه فى الآونة الأخيرة بدأ يثار جدل، أما فيما يخصّ دولاً أوروبية أخرى وبالتحديد فرنسا، هذه الصورة موجودة للأسف الشديد ولا نجدها مثلاً فى أمريكا الجنوبية أو أمريكا اللاتينية. أنّ النسيج الاجتماعى للمسلمين فى أوروبا وفى فرنسا غير منسجم، حيث نرى أنّ هناك قطبين، قطباً ضئيلاً ولكن مكوّن من المسلمين وهم من سلالة عربية، إذ أنّهم يقطنون الفنادق الفخمة والشقق الثرية، وقطباً آخر كبيراً، من المهمّشين وهؤلاء أصبحوا عرضةً لخطابٍ، دينيّ يستغلّ وضعهم الاجتماعيّ، حيث إنّ أكثر هؤلاء الشبّان لا يجيدون الكلام بالفرنسية أكثر من 300 لفظ أو أكثر، معرّضون إلى العنف والبطالة. وبالطبع يساهم الوضع الاقتصادى، مضافاً اليه البعد الثقافى، فى خلق هذه الصورة النمطية للمسلم العربى. ولكننى فى النهاية أحمل المسلمين أنفسهم ما وصلوا اليه وأستشهد هنا بدراسة للدكتور خالد حاجى، وهو من أصل عربى، ألمانى الجنسية، ومؤلف كتاب «من مضايق الحداثة إلى فضاء الإبداع». يقول «العقل الإسلاميّ استطاب خطاب الأفول الحضارى وسقوط الغرب وتدنّى الأخلاق فيه، وهذا النمط من التفكير فَوّتَ على العقل الإسلاميّ إدراك الطبيعة الحقيقية لعلاقة المسلمين بالغرب». وبذلك وبدون جلد الذات ودون نقدٍ مجّانى أجد أنّ المسئولية الكبرى تقع على عاتق المسلمين وعلى العرب فى فرنسا وفى أوروبا، فقد أهملوا التربية والتكوين وتنوير العقل والانفتاح على الآخرين وعن حبّهم للقيم الجمالية، وعن الفنون، والموسيقى، وكلّ ما هو إبداع، ففاتهم للأسف الشديد رَكب الحضارة الإنسانية، وبالتالى على مسلمى فرنسا وأوروبا مع تمسّكهم بهويتهم الدينية والإسلامية الانفتاح على الآخرين فى ميادين الشعر والفلسفة والأدب والخروج من التقوقع والتزمّت والتحجّر والانطواء والانكماش. وخاصة أن حريات التديّن مكفولة فى فرنسا، وعموم أوروبا وخاصة أنه فى استبيان أجرته صحيفة «لو فيجارو» الفرنسية، عقب الاجتياح الأمريكى للعراق عام 2003، وجدت أنّ 87 فى المئة من المسلمين فى فرنسا يعتقدون أنّ الإسلام يتوافق مع قوانين الجمهورية الفرنسية. وهذا يؤكد أننا المسئولون، والحل يكمن فى داخلنا نحن، ولكن الأزمة أننا عاشقو دفن نفوسنا فى الرمل حتى لا نبصر الحقيقة!