رؤية
من الموضوعات المهمة التي ينبغي طرح المزيد من الرؤى كل ما يتعلق بالتشريع في المسيحية ، وأرى أنه لا مانع بل لعله من المأمول التحاور حول كل ما جاء عن الموضوع في الكتاب المقدس ..
ويسعدني بداية الاقتراب من رؤية إنجيلية لموضوع التشريع في المسيحية ، والذي جاء عبر إصدار جديد للمفكر البارز الدكتور فريز صموئيل بعنوان « المسيح والتشريع « ..
لقد جاء السيد المسيح إلى عالمنا ، وفي أثناء حياته على الأرض كان يجول يصنع خيرًا ، ويشفي المرضى ويقيم الموتى ، وقد أسمى التعاليم التي غيرت البشرية إلى أفضل صورة ، فبعد أن سمع الناس عظته على الجبل « بهتت الجموع من تعليمه لأنه كان يعلمهم كمن له سلطان وليس كالكتبة « .
يقول الكاتب في تقديمه للإصدار الجديد الهام « لقد جاء المسيح لتكون للبشرية حياة أفضل ، ووضع مبادئ وقيم صالحة لكل البشرية في كل العصور ، ورغم ذلك يوجه بعض النقاد اتهامًا للمسيحية بأن مؤسسها لم يأت بقوانين وتشريعات تنظم العلاقة بين الناس ، ويعتبرون أن هذا نقطة ضعف في المسيحية ، وهم لا يدرون أن هذا هو سر ملائمة المسيحية لكل مكان وزمان ، بل إن البعض لست أدري عمدًا أم جهلاً ـ قالوا إن المسيح لم يحترم الملكية الخاصة ، ولم يحترم حقوق العمال ، وقدم تعاليم مثالية يمكن تطبيقها في الحياة العملية ، ويمكن فقط أن تعيش بها الصفوة ...»
ويخلص الكاتب إلى أن شريعة تقسيم الميراث في العهد القديم واضحة ، والطمع أدى إلى أن يظلم الأخ أخاه ، والمسيح رفض أن يكون قاضيًا أو مقسمًا ، لأن هناك من هو مسئول عن هذا العمل ، والمسيح قدم الحل المثالي لهذا الموضوع بأنه عالج جذور المشكلة وهو الطمع الكامن داخل الإنسان ، ونادى بالتخلص من الطمع ، وهذا مبدأ هام إذ سلك الناس بمقتضاه بطلت الدعاوى وجرى العدل ، وأوضح المسيح أن ما يتصارع عليه البشر من ماديات هي أمور وقتية ، وأنها ليست المصدر الصحيح لسعادة الإنسان وأكد أن الله يستطيع أن يسدد كل الاحتياجات .
و عليه ، يؤكد الكاتب على أن المسيح ليس مشرعًا بشريًا أو قاضيًا أرضيًا ، لكنه جاء ليقدم مبادئ وقيم متى سلك بها الناس لساد الحب والسلام ، وأحب الإنسان غيره كنفسه ، أما كل ما يتعلق بالنظم والقوانين فهناك المشرعون والمنفذون ، وهذا لا يقلل من شأن المسيح في شيء.
ولاشك إن السائل في هذه القصة لا يريد التحكيم ، بل يطلب من القاضي أن يأخذ بوجهة نظره ، وأن يصدر حكمًا يتمشى ومصلحته ، هناك فرق شاسع بين قوله : « لقد اختلفت مع أخي على الميراث ، فهل تحكم بيننا « ، وقوله : « قل لأخي أن يقاسمني الميراث « ، لذلك كان رد المسيح المفحم : « من أقامني عليكما قاضيًا أو مقسمًا « ، لقد أراد هذا الأخ أن يقسم الميراث ، فجاء يطلب مساعدة يسوع للضغط على أخيه لقبول قرار قسمة الميراث ، لقد خيم التوتر على علاقة الأخوين ، وجاء السائل يقترح أن ينهي ذلك الخلاف مع أخيه بفراق نهائي فأخبره المسيح أنه لم يأت إلى العالم ليفرق ويقسم ، إنما جاء ليجمع ويصلح ، موضحًا بذلك أنه يرغب أن يرى الصفاء والتفاهم يعود ليخيم على حياتهم .