عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

 

 

 

 

لا أخجل من أن أراجع رأسى، أصفى دماغى كل يوم، وأعيد التفكير فيما أرى وأتصور وأعتقد. ذلك ديدنى للبحث عن الحق والحقيقة إيماناً بأن ألقى الله وعندى حجتى بالتفكير الدائم والمراجعة المتكررة.

قبل سنوات تحفظت كثيراً على كتاب قرأته للراحل جلال أمين بعنوان «خرافة التقدم والتأخر»، ذكر فيه أن قول إن هناك بلداناً متقدمة وأخرى متأخرة محض افتراء، وأن المصطلحين صكتهما الدول الثرية للتمييز بينها وبين الدول الفقيرة. ورأى أنه ليس من الضرورى أن تكون الدول ذات الفوائض المالية الكبيرة، ومتوسط دخل الفرد المرتفع، دولاً متقدمة، كما أنه ليس شرطاً أن تكون دول الدخول المنخفضة متأخرة. كان تصورى أن الرجل رحمه الله مندفع تحت وطأة رؤاه الاشتراكية لانتقاد وتفكيك كل منجز أو تصور غربى.

الآن أعتذر لسوء ظنى بالرجل، وأقر، وأستوعب، وأتفهم منطقه، بل أرى أن التقدم والتأخر لا علاقة لهما بالعلوم والتكنولوجيات والثراء المادى، وإنما بالأخلاق والقيم العظيمة.

دار هذا فى ذهنى وأنا أقرأ خبر استعادة الجزائر بعض جماجم ثوارها الذين قاتلوا ضد الاحتلال الفرنسى قبل أكثر من مائة عام، ومن بينها جمجمة شهيد مصرى مواليد دمياط، حارب إلى جوار الثوار الفرنسيين، هو موسى الدرقاوى، كانت آلة القهر الفرنسية تقطع رؤوس مقاوميها فى البلاد التى استعمرتها، وأهمها الجزائر، لتملأ بها متحفها المشين فى باريس، الذى أسمته متحف الإنسان.

أى عار، خسة، دناءة، ورجعية بعد ذلك! أمة أوروبية تدعى التحضر تحتفل بجثث خصومها، وتعبث بجماجمهم! ما يفرق بين الإنجاز الحضارى المتحفى لفرنسا وبشائع داعش وميليشيات الإرهاب الكريهة؟ ما التقدم إن كان الإنسان بلا أخلاق أو قيم أو شرف فى التعامل مع خصومه وأعدائه؟ ما العلم؟ ما الحضارة؟

18 ألف جمجمة للمقاومين الجزائريين الذين أعدموا وقطعت رؤوسهم، شحنها الاستعمار الفرنسى إلى متحفه اللاإنسانى، دون مبرر سوى التشفى والسادية وجنون العظمة. استمر الاستعمار الفرنسى فى الجزائر مائة وثلاثين عاماً قتل خلالها مليوناً ونصف مليون إنسان، بين حرق بالغاز وإعدام بالمقصلة وإغراق فى البحر، لكن كان الأبشع تحويل عشرات الآلاف إلى فئران تجارب عند تجربة الأسلحة النووية للتعرف على فاعليتها فى صحراء الجزائر.

فى نهايات القرن الثامن عشر احتل نابليون بونابرت مصر، وظل الفرنسيون فيها ثلاث سنوات، وقتل من المصريين آلاف الشهداء فى ثورتى القاهرة الأولى والثانية، وأعدم عشرات الزعماء ورجال المقاومة، وقطعت رؤوسهم، وعلقت على أبواب القاهرة قبل أن يتم إرسالها إلى باريس. وإذا كان من المنطقى إعدام سليمان الحلبى الطالب الدمشقى الذى جاء إلى القاهرة بعد اغتياله الجنرال كليبر سنة 1800، فإنه من غير المنطقى أن تبقى جمجمته وهيكله العظمى معروضين إلى اليوم فى متحف الإنسان.

إننا مطالبون بأن نحذو حذو الجزائر لنسترد جماجم ثوارنا وشهدائنا لدى فرنسا، وقبلها وبعدها علينا أن نراجع رؤانا عن الحضارة وتصوراتنا عن البلدان المتحضرة، فثمة أمم نتصورها متقدمة بالعلم والمعرفة، وشعارات حقوق الإنسان، لكننا لا نبصر تخلفها وبربريتها وانحطاطها الأخلاقى والقيمى.

والله أعلم.

 

[email protected]