رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

 

 

 

 كتب الفيلسوف الأمريكى الشهير جون ديوى وهو فى الثمانين من عمره نصا مهما وملهما بعنوان  الحرية والثقافة، تحدث فيه عن مفهومه للحرية وكيف ترتبط الحرية بنمط الثقافة السائدة وأوضح أن الثقافة هى التى تحول الانسان من كائن يعيش على الفطرة الى انسان صاحب فكر معين يحدد نمط سلوكه، فالثقافة هى التى تعين ترتيب النزعات الفطرية وتحدد نظامها، ومن ثم فهى «التى تعين طراز السلوك الذى يتميز به نشاط أى جماعة»، والثقافة كما عرفها «هى مركب معقد من العادات تتجه إلى العمل على الاحتفاظ بكيانها وصيانة نفسها. وهى فى رأيه لا تستطيع أن تكرر نفسها مرة أخرى إلا بعد ايجاد عدة تغييرات معينة متمايزة فى تكون أعضائها الأصلى حيث إن كل ثقافة لها طرازها الخاص بها كما أن لها ترتيبها الخاص بقواها المقومة لها.

ولا أدرى لماذا تذكرت هذه النصوص من هذا الكتاب المهم وأنا أتأمل ثورات الشعب المصرى على مدار تاريخه وخاصة ثورة الثلاثين من يونيو 2013م حيث وجدت أنها لم تكن إلا ثورة دافعت عن هوية ثقافية معينة، لقد هب الشعب المصرى يوم الثلاثين من يونيو مدافعاً عن هويته الثقافية التى كادت أو أوشكت على التغير والضياع من قبل جماعة اتخذت من الدين الإسلامى ستاراً ووظفته توظيفاً أيديولوجيا لخدمة أغراضها السياسية! ولما أدرك المصريون الأغراض الاستبدادية والتوسعية لهذه الجماعة وأدركوا أنهم ليسوا الممثلين الفعليين لثقافته الوطنية وليسوا منتمبن إلى هذه الثقافة لفظوهم وثاروا ضدهم !!

لقد عانت مصر والمصريون من موجات مختلفة ومتتالية من الاستعمار فمن الغزو الهكسوسى والفارسى واليونانى لمصر قديما إلى الاستعمار العثمانى والانجليزى حديثا والمصريون يدافعون عن هويتهم الحضارية والثقافية، إنهم ان استسلموا للمستعمر نتيجة الضعف وقلة الحيلة أحيانا أو نتيجة الخداع والمكر من جانب المستعمر أحيانا أخرى فإنهم سرعان ما يستعيدون قوتهم الكامنة ويكشفون عن مدى تمسكهم بهويتهم الوسطية المعتدلة المحبة للسلام والعدل وعن كراهيتهم لكل مستعمر آفاق مخادع لايريد فقط الاستيلاء على الأرض ونهب الثروات بل يريد أيضا تغيير الهوية مع سلب الحرية !! وهنا يهب المصريون على قلب رجل واحد ليتخلصوا من هؤلاء الغازين المستعمرين وكانت تلك الثورات عادة ما تتم بقيادة قائد من قواد مصر العظام منذ أحمس حتى جمال عبد الناصر، واذا كانت الثورات المصرية حتى ثورة يوليو 1952م قد تمت وقامت للتخلص من الاستعمار الأجنبى فإن ثورة الثلاثين من يونيو قد قامت للتخلص من هيمنة وسيطرة فئة مستعمرة محلية الصنع صنعها المستعمرون الأجانب لتحقيق ماعجزوا هم عن تحقيقه باستعمارهم المادى المباشر.لقد كان من الضرورى أن يأتى اليوم الذى تنكشف فيه الخدعة الكبرى و أن تنكشف أغراض هذه الجماعة الباغية التى أرادت الاستئثار بالوطن وتسليمه للمتربصين به واسقاط هويته الثقافية إلى غير رجعة.

وعود إلى جون ديوى، فقد عنون كتابه بالحرية والثقافة  تأكيدا فيما يبدو من جانبه على أن الحرية الفردية تسبق الثقافة وهى المحدد الأساسى للثقافة الليبرالية التى يؤمن بها، وليلاحظ القارئ الكريم أننا بدأنا بإعادة ترتيب الأولويات، فالثقافة فى اعتقادى هى المحدد لصورة الحرية ومداها لدى الأفراد والمجتمعات. وعلى ذلك فإن الهدف الأول لثورة 30 يونيه قد تحقق حيث عادت مصر بهويتها الثقافية والحضارية للمصريين وبقى أن نكمل طريق الحرية، حيث إن إحساس المصريين بحريتهم الفردية اجتماعية كانت أو اقتصادية أو فكرية لن يكتمل إلا مقروناً بتحقيق المزيد من الحرية السياسية التى مرآتها حجم المشاركة السياسية وخاصة من فئات الشباب والمثقفين وهما بلا شك كانوا الأداة الحقيقية والحاسمة فى نجاح تلك الثورة، ولأكون صريحا فى هذا الصدد حيث إننا نقيس المشاركة السياسية بحجم الذين يذهبون إلى صناديق الانتخاب للإدلاء بأصواتهم بينما ينبغى أن تقاس فى تقديرى بعدد ونوعية الذين يقدمون على الترشح لهذه الانتخابات حيث إن الوجوه لا تزال ويبدو أنها ستظل فيما هو قادم من استحقاقات انتخابية هى نفس الوجوه القديمة المستندة على الشللية وحسابات المصالح وتحالفها مع رأس المال الذى يمول حملاتهم الانتخابية !! إن المشاركة السياسية الحقيقية فى رأيى تبدو حينما نجد وجوها جديدة من الكفاءات الفكرية والعلمية التى لا سند لها إلا تاريخها الشخصى والعلمى الناصع تتقدم الصفوف للترشح للانتخابات المقبلة وهى واثقة من قدرة المصريين على الفرز ونزاهة الاختيار وليلعب الاعلام الحكومى والخاص دوره الفاعل هنا ليدفع بهذه الكفاءات ويساندها حتى تتشكل لدينا مجالس نيابية حقيقية وفاعلة وليست مجالس شكلية ومصطنعة مليئة بالوجوه الكالحة المكرورة الفاسدة. ان اتساع مساحة الحرية يكون بقدر اتساع المشاركة السياسية الواعية وهذا هو الرهان الحقيقى القادم لمدى نجاح ثورة 30 يونيو فى تطوير نفسها والاستمرار فى تحقيق أهدافها.

[email protected]