رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مكلمخانة

لمن لا يعرفون الذي أكتب عنه اليوم، وربما عرفوه في بعض الأفلام السينمائية المهمة التي ظهر فيها، هناك معلومات لابد منها يجدر بي أن أقدم بها هذا الفنان كبير الموهبة الذي فارق الدنيا أمس لتشيع جنازته في هدوء، كما أراد أن يقضي معظم سنوات حياته في دار للمسنين تتولي رعايته فيها نقابة المهن التمثيلية حيث لا يملك «عبدالعزيز مكيوي» أي موارد مالية وبلا دخل من أي جهة!، حتي إذا تجاوز الثمانين من العمر شاء الله أن تنتهي عزلته التي اختارها لنفسه بمفارقة الدنيا التي آثر أن يعتزلها رافضاً الحياة!، و«عبدالعزيز مكيوي» كان لا ينقصه شيء كي يعيش في مصاف نجومنا الكبار في السينما المصرية، فقد كان متعلماً تعليماً راقياً ودارساً للفن، ويجيد ثلاث لغات، لطيف المعشر وسيم الطلعة، وليس من قبيل مجاملته أن أقرر- وقد عرفته- انه فنان كبير بكل المقاييس، وأفلامه المهمة التي مازالت تعرض «لا تطفئ الشمس» عام 1961، و«لا وقت للحب» عام 1963، و«القاهرة 30» عام 1966. تكفي لقيام الحجة عند مشاهديها علي أن هذا الفنان أنزل بنا خسارة فادحة عندما آثر رفض الحياة بالانزواء فيها والانسحاب منها ليصل بعمره إلي شيخوخة أقعدته في الدار التي عاشر فيها أقرانه من المسنين!، حتي كان غيابه المفاجئ أمس غير آسف علي حياة لم تنصفه هو وأمثاله!

ويأتي «عبدالعزيز مكيوي» في طابور أصحاب مواهب كبيرة من الفنانين والمبدعين في أنواع الثقافة والعلوم، وقد آثر الذين اصطفوا في هذا الطابور أن يرفضوا الحياة بإرادتهم عندما اكتشفوا أن الدنيا لا تبادلهم التقدير!، بل وتعصف بمواهبهم في إجهاز تدريجي يؤكد عدم الترحيب بهم!، فإذا كان «عبدالعزيز مكيوي» قد قرر في ذروة عطائه ألا يقدم فناً هابطاً رخيصاً لكي ينتشر كغيره!، بل أصر علي أن يقدم أعمالاً فنية هادفة جادة المضمون!، فلما لم تواته ظروف الفن المصري بعد بضعة أعمال سينمائية قدمها باحترام!، قرر «مكيوي» أن يحتفظ بموهبته واحترامه لنفسه كذات مصونة لا تمس بالزيف والترخص الفني مهما كانت الأسباب!، ولم يكن «مكيوي» في ذلك غير أعضاء في هذا الطابور الذي لحق به فلم يكن أول الرافضين للحياة ولا أظن انه إلا الأخير حتي الآن! فقبله رفض الحياة وانسحب منها حجة التاريخ والجغرافيا جمال حمدان، اثر ما صدمه في حياته الجامعية!، وفى الطابور نفسه كان نجيب سرور الشاعر الفنان الكبير الذى تعذب بما صدمه في الحياة فهام علي وجهه في شوارع العاصمة، وقد لخص مأساة حياته في قصيدة شعرية صادقة لولا ما ورد فيها من البذاءات!، كذلك انسحب الكاتب المسرحي الكبير محمود دياب الذي يكفيه انه كان كاتب مسرحية «ليالي الحصاد» والأعمال التي تلتها للمسرح المصري حتي قرر الانسحاب من الحياة بعد افتراس المسرح الرخيص الفن المسرح!، كذلك كانت هناك وجوه من أصحاب المواهب الفنية ممن قرروا وداع خشبة المسرح إلي غير رجعة!، وهناك المفكر الراحل فؤاد زكريا الذي اختار الكويت مستقراً له سنوات طويلة أعطي فيها عصارة ذهنه وفكره مما تجلي في أعماله الثقافية والجامعية هناك، وكل هؤلاء يستحقون التقدير وإن لم ينالو!، حسبهم أنهم يستحقون وانسحابهم من الحياة مجرد احتجاج!